ما يمكن استخلاصه من التظاهرات التي نظمت في عدد من المدن المغربية، غني بالدلالات، من الضروري النظر فيها، وترتيب خطوات سياسية ومبادرات وإجراءات، حقوقية وقانونية وإدارية، خاصة وأن المتظاهرين، إلتزموا بالإنضباط واكتفوا بالتعبير عن مطالبهم، بشكل حضاري.
ويمكن القول، إن هذا هو الدرس الأول الذي ينبغي إستنتاجه، حيث أثبتت الجماهير التي خرجت للإحتجاج، عن نضج واضح، فقد تجمعت في الساحات التي تم الإتفاق عليها، في الوقت المحدد، وغادرتها، في هدوء، لأن هدفها ليس هو إثارة الشغب و»الفتنة»، بل التعبير، فقط، عن غضبها تجاه حادث تراجيدي، لا يمكن إلا أن تثير ملابساته، الإستنكار الشديد، والرغبة في معاقبة الذين تسببوا فيه.
لنتصور أن يحصل مثل هذا الحادث المأساوي، دون أن تتحرك الجماهير للإحتجاج، سيكون الأمر، آنذاك، مدعاة لليأس، إذ كنّا سنشعر بخيبة أمل، تجاه شعب، يغرق في سبات اللامبالاة. وهذا ما لم يحصل، فالدينامية التي يتمتع بها المجتمع المدني المغربي، واليقظة التي أبان عنها الناس، مسألة تدعو للإفتخار.
كما أن سرعة التجاوب الذي تحركت بها السلطات، على مختلف مستوياتها، والبيانات التي أصدرت، والتواصل المستمر، كان أمرا إيجابيا، مهما إختلفت تقييماتنا لخلفياته، وأهدافه. ما يهم هو أن هناك وعي حاد بأهمية الرأي العام، وبدور وسائل التواصل الإجتماعي، وبالإهتمام المتزايد للجماهير بقضايا العدالة والكرامة.
هذا، في نظرنا، هو التقييم الإيجابي الذي ينبغي أن يتم التعامل به، مع هذا الحادث المفجع، في انتظار نتائج التحقيق، غير أن هناك دروسا عميقة، تحملها هذه الأحداث، من اللازم الإنكباب عليها، من أهمها، أولا، أن عدم المشاركة في الإنتخابات، لا يعبر قطعا عن عدم الإهتمام بالشأن العام، فالداء، يجب البحث عنه في المنظومة الإنتخابية والنظام السياسي، المؤطر لها، ثانيا، التغطية والميكانيزمات الحقوقية، ظلت فوقية، ولم تدخل بعد في تفاصيل الحياة اليومية وفي ردة فعل تلقائية للإدارة، ثالثا، تفعيل القوانين، يحتاج إلى مساطر وإجراءات صارمة، تسري على الجميع ويلتزم بها الجميع، دون الخضوع لأية تعليمات خارج القانون، رابعا، تبين أن الأمن والإدارة الترابية وعددا من المصالح الإدارية، ينقصها التكوين والتأطير والإنضباط للقوانين والاجراءات الإدارية.
من المؤكد أن مثل هذه الهزات، ينبغي أن تشكل تنبيها جديا، يستدعي الشروع في الإصلاحات، بشكل مستعجل، فهذا ما رددته حناجر آلاف المتظاهرين.
الاربعاء 02 نونبر 2016.