بغض النظر عن نتائج التحقيق، الذي ستسفر عنه الأبحاث القضائية التي ستباشر في قضية الفقيد بائع السمك، محسن فكري، الذي مات مطحونا في حاوية الأزبال، بالحسيمة، فهناك ما يتجاوز كل هذه النتائج، أي ما هو أبعد وأعمق من تحديد المسؤوليات المباشرة، في مقتل هذا الشاب، رغم ما لهذا الموضوع من أهمية بالغة، لأن القصاص والعدالة، مسألة ضرورية، في دولة الحق والقانون.
لكن، هناك ما قبل و بعد هذه الفاجعة، وهو القهر الطبقي، الذي يدفع شبابا وشيبا، رجالا ونساء، إلى البحث عن لقمة العيش، بكل الوسائل «المشروعة»، أي دون ارتكاب أي جريمة، مع مخالفة بسيطة للقانون، مفترشين الأرض، لبيع سلعة بسيطة، مقابل ربح مادي محدود، يشكل قوت اليوم.
يعرف الخاص والعام أن أي فرّاش، لا يمكنه عرض سلعته، إذا لم يؤد ما يسمى ب»التدويرة» في لغتنا الشعبية، التي يتم اقتسامها أيضا بين بعض «المسؤولين» المحليين.
قد يحتقر البعض هذا النظام ويعتبره موضوعا صغيرا وثانويا، ، لكنه سائد وعليه يستند تنظيم فضائنا الحضري، لذلك يطلق بعض المسؤولين في السلطة والأمن، يدهم للتحكم في هذا المجال، دون أي ضابط قانوني، ليس فقط بالنسبة لما يسمى ب»الفراشة»، بل لعدد آخر من المهن الصغيرة، غير المؤطرة بقوانين.
في هذا الإطار ينبغي وضع فاجعة الحسيمة، التي تدخل ضمن «نظام» غير منظم، يتحكم فيه بعض رجال السلطة والأمن، خارج القانون، لأن ما يسمى بالاقتصاد غير المنظم، متحكم فيه، من طرف بعض أفراد هذه السلطات، ويشكل أحد مظاهر القهر الطبقي، حيث نجد أن ضحاياه، هم الذين دفعوا دفعا للتهميش، بسبب النظام التعليمي، والفقر وغياب فرص الشغل، وانسداد الآفاق… وهم ليسو مسؤولين عن هذا الوضع.
بينما تتمتع فئة قليلةً بالتعليم المتميز، وبنِعم «الاقتصاد المنظم»، وبفرص الشغل…. أي أن الأمر لا يتعلق بتفوق «طبيعي»، بل بانتماء طبقي، فهناك من ولد بملعقة من ذهب في فمه، وهناك من تحايل وتواطأ للدخول في نادي الأغنياء، وهم أغلبية الفئات المستفيدة، وهناك من نشأ وترعرع في القهر، الذي يلتف حول عنقه، كالحبل، لن يتخلص منه مهما حاول، وقد يجد نفسه، يوما، مطحونا في حاوية أزبال.
هذه هي المعضلات الكبرى التي ينبغي أن تعالج في المغرب، وقد سبق لأعلى السلطات في البلاد أن تعرضت لها، تحت عناوين التوزيع العادل للثروات ومحاربة الفساد وإصلاح الإدارة…
الاثنين 31 اكتوبر 2016.