اجتهدت‭ ‬الإدارة‭ ‬بالحسيمة‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬الذي‭ ‬وبخها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬طالبها‭ ‬بإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بالمواطنين‮.‬
‭ ‬وكان‭ ‬الجواب‭ ‬واضحا‭ ‬لا‭ ‬غبار‭ ‬عليه‮:‬‭ ‬العلاقة‭ ‬الوحيدة‭ ‬الممكنة‭ ‬مع‭ ‬شعب‭ ‬المغرب‭ ‬هو‭ ‬‮….‬الطحين‮!‬
اطحنوه،‭ ‬واطحنوا‭ ‬أهله‭ ‬و‭ ‬ابدأوا‭ ‬بأمه،‭ ‬هكذا‭ ‬صاح‭ ‬الرجل‭ ‬الإداري‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬السائق‭ ‬الذي‭ ‬يسوق‭ ‬شاحنة‭ ‬الطحن‭ ‬العمومي‮…!‬
طحن‭ ‬مو‮!‬
قلبها‭ ‬تولي‭ ‬‮«‬مو‮…..‬طحن‮»‬
الاسم‭ ‬الجديد‭ ‬للمواطن‮!‬
المواطحن‮!‬
المواطحنون‮!‬‭ ‬
المواطحونات‮!‬
بهكذا اشتقاق برعت الراقية أمينة الصيباري‮ ‬في‮ ‬تدوينة موفقة لها أمس‮..‬
أما في‮ ‬مقر الجريدة‮ ‬،فلم تصدق السيدة الرقيقة صباح الأحد أثناء العمل‮ ‬،‭ ‬أن‭ ‬المقصود‭ ‬بالطحن‭ ‬هو‭ ‬المواطن‭ ‬محسن‭ ‬فكري‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وأسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جناته‮!‬
ذلك‭ ‬لأن‭ ‬خيالها‭ ‬الأنيق‭ ‬رفض‭ ‬بشكل‭ ‬قاطع‭ ‬أن‭ ‬يتصور‭ ‬سادية‭ ‬مثل‭ ‬هاته‮..‬
لم‭ ‬تصدق‭ ‬لأن‭ ‬أي‭ ‬قلب‭ ‬عفيف،‭ ‬ينبض‭ ‬في‭ ‬صدر‭ ‬إنسان‭ ‬لن‭ ‬يتصور‭ ‬بأن‭ ‬سادية‭ ‬المسؤول‭ ‬الإداري‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يطالب‭ ‬بطحن‭ ‬مواطن‭ ‬فقير،‭ ‬يفترش‭ ‬البحر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬لقمة‭ ‬عيش‭ ‬بسيطة‮..‬
‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬فقره‭ ‬تماهى‭ ‬مع‭ ‬السمك‭ ‬،‭ ‬وأصبح‭ ‬بدوره‭ ‬سمكا‭ ‬قابلا‭ ‬للطحن‮..‬‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬المسؤول‭ ‬‮!‬
سيطحنوننا‭ ‬في‭ ‬حاويات‭ ‬الأزبال‮!‬
هكذا‭ ‬لا‭ ‬نكون‭ ‬شعبا‭ ‬مطحونا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬متسخا‭ ‬أيضا،‭ ‬
شعب‭ ‬زبالة‮..‬
‭ ‬شعب‭ ‬نفايات‮….‬
شعب‭ ‬حثالة‮…‬
شعب‭ ‬غير‭ ‬مهيكل‮:‬‭ ‬ولا‭ ‬حل‭ ‬للاقتصاد‭ ‬غير‭ ‬المهيكل‭ ‬سوى‭ ‬طحن‭ ‬من‭ ‬يلجأ‭ ‬إليه‮..‬
يا‭ ‬الهي،‭ ‬هؤلاء‭ ‬فقراؤك،‭ ‬ألا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يطحنوننا‭ ‬بطريقة‭ ‬نظيفة؟
ألا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحترموا‭ ‬فينا‭ ‬أخلاق‭ ‬الطحن‮…‬
وأخلاق‭ ‬الذبح؟‮..‬
حتى‭ ‬شاة‭ ‬العيد‭ ‬ينصحنا‭ ‬الحديث‭ ‬بألا‭ ‬نذبحها‭ ‬والأخرى‭ ‬تنظر‭ ‬إليها‮!‬
ألسنا‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬خرفان‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬جباله‭ ‬العاليات‭ ‬وتحت‭ ‬سكاكين‭ ‬الغلاة؟
‭ ‬لقد‭ ‬سبق‭ ‬للعبد‭ ‬الضعيف‭ ‬إلى‭ ‬ربه‭ ‬أن‭ ‬كتب‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الإدارة‭ ‬ليست‭ ‬موظفين‭ ‬جالسين‭ ‬يتداولان‭ ‬ثمن‭ ‬العدس‭ ‬بين‭ ‬كأسين‭ .‬
‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬وقد‭ ‬صارت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الناس‮..‬‭ ‬
وهي‭ ‬الدولة‭ ‬وقد‭ ‬دخلت‭ ‬تفاصيل‭ ‬المجتمع‭ ‬وتراكبت‭ ‬معه‮..‬
بل‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الإدارة‭ ‬لخصت‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬عديدة‭ ‬كل‭ ‬أعطاب‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬المغرب‮.».‬
ولهذا‭ ‬سيكون‭ ‬إنصاف‭ ‬القتيل‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬أخطاؤها‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد‮..‬
لست‭ ‬أدري‭ ‬لماذا‭ ‬تذكرت‭ ‬حكاية‭ ‬فظيعة،‭ ‬وقعت‭ ‬أيام‭ ‬تمرد‭ ‬الريف‭ ‬الدموي‭ ‬في‭ ‬1958،‭ ‬أوردها‭ ‬ستيفان‭ ‬سميث‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬أوفقير،‭ ‬قدر‭ ‬مغربي‮».‬
تقول‭ ‬الحكاية‭ ‬‮:‬‭ ‬إبان‭ ‬ثورة‭ ‬الريف،‭ ‬تقدم‭ ‬أوفقير‭ ‬من‭ ‬ريفي‭ ‬كهل،‭ ‬وألقى‭ ‬عليه‭ ‬القبض،‭ ‬ثم‭ ‬وضع‭ ‬قنبلة‭ ‬في‭ ‬‮»‬قب‮«‬‭ ‬جلابته‭ ‬الخطابية،‭ ‬وتركه‭ ‬يهرب،‭ ‬وبعد‭ ‬خطوات‭ ‬انفجرت‭ ‬القنبلة‭ ‬‮…‬وانفجر‭ ‬أوفقير‭ ‬ضاحكا‮!‬
هذه‭ ‬القسوة،‭ ‬التي‭ ‬سكنت‭ ‬خيالي‭ ‬سنين‭ ‬طويلة،‭ ‬تعود‭ ‬ولا‭ ‬حربا‭ ‬تسبقها
ولا‭ ‬تمردا‭ ‬يسبقها
ولا‭ ‬حالة‭ ‬انحباس‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬المركزية‭ ‬وبين‭ ‬أهل‭ ‬الريف
‭ ‬بل‭ ‬تسبقها‭ ‬وضعية‭ ‬إدارية‭ ‬استسلمت‭ ‬إلى‭ ‬الغش‭ ‬والفساد‭ ‬واحتقار‭ ‬الناس‭ .‬
‭ ‬أي‭ ‬بالتلخيص‭ ‬المغربي‮:‬‭ ‬الحكرة‮!‬
تسبقها‭ ‬إرادة‭ ‬متغلغلة‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬الإدارة‭ ‬المغربية،‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تفصل‭ ‬المناطق‭ ‬الصعبة،‭ ‬والفقراء‭ ‬والبسطاء‭ ‬عن‭ ‬مصالحة‭ ‬وطنية‭ ‬،‭ ‬مجالية‭ ‬وحقوقية‭ ‬كبيرة‭ ‬صالحت‭ ‬المغاربة‭ ‬مع‭ ‬بعضهم‭ ‬ومع‭ ‬الدولة‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬صراع‭ ‬مرير‮..‬
يقول‭ ‬خطاب‭ ‬الملك‭ ‬أمام‭ ‬البرلمان‮:«‬إن‭ ‬إصلاح‭ ‬الإدارة‭ ‬يتطلب‭ ‬تغيير‭ ‬السلوكات‭ ‬والعقليات‮»..‬
وهو‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬برنامج‭ ‬متكامل،‭ ‬
إذ‭ ‬يتطلب‭ ‬تغيير‭ ‬عقليات‭ ‬ترى‭ ‬المواطن‭ ‬‮«‬شيئا‮»‬‭ ‬قابلا‭ ‬للسلخ‮…‬
وقابلا‭ ‬للطحن‮…‬
مواطنا‭ ‬‮«‬كفتة‮«‬‭ ‬إلى‭ ‬إشعار‭ ‬آخر‮!‬
‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬علينا‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬ليصف‭ ‬الشهيد‭ ‬محسن‭ ‬فكري‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬شهيد‭ ‬شباضة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الراحل‭ ‬إدريس‭ ‬البصري‭ ‬في‭ ‬تعليقه‭ ‬المخزي‭ ‬والمهين‭ ‬عقب‭ ‬أحداث‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬1981،‭ ‬عندما‭ ‬نعت‭ ‬عشرات‭ ‬الشهداء‭ ‬ومنهم‭ ‬أطفال‭ ‬سقطوا‭ ‬بالرصاص‭ ‬الحي‭ ‬،‭ ‬بأنهم‭ ‬‮»‬شهداء‭ ‬كوميرا‮»‬،‭ ‬لأن‭ ‬الإدارة‭ ‬المركزية‭ ‬تعلن‭ ‬انتماءها‭ ‬للعهد‭ ‬الجديد‭ ‬وللمفهوم‭ ‬الجديد‭ ‬للسلطة،
بل‭ ‬إن‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬سيحل‭ ‬بالمدينة‭ ‬ليقدم‭ ‬العزاء
وينقل‭ ‬تأثر‭ ‬ملك‭ ‬البلاد‭ ‬بالحادثة
ويفتح‭ ‬التحقيق‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬يجب‮..‬
ويفتح‭ ‬أيضا‭ ‬جرحا‭ ‬غائرا‭ ‬فينا‭ ‬‮…‬لكي‭ ‬ننظفه‭ ‬بماء‭ ‬المصالحة‭ ‬الفعلية
بين‭ ‬المواطنين‭ ‬الفقراء‭ ‬وإدارة‭ ‬بلادهم‮..‬
‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يمنع،مع‭ ‬ذلك،‭ ‬القلب‭ ‬والهشاشة‭ ‬الإنسانية‭ ‬فينا،‭ ‬من‭ ‬تصور‭ ‬درجة‭ ‬الاحتقار‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬المسؤولون‭ ‬عن‭ ‬مأساة‭ ‬الشهيد‭ ‬محسن‭ ‬فكري‮..‬للمغاربة‮!‬

الاثنين 31 اكتوبر 2016.

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…