لخبير الاقتصادي ادريس بنعلي : المغرب في مأزق مالي واقتصاد الريع هو السبب والدولة غير جادة في محاربته

جيل بريس
:المغرب لا يتوفر على زعيم سياسي واحد في «كاريزما» زعماء أنجبهم عهد الحسن الثاني.
قال إدريس بنعلي، الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي، إن المغرب دخل في مأزق مالي واقتصادي خطير. وعزا بنعلي في هذا الحوار سبب هذا المأزق إلى استمرار اقتصاد الريع وعدم جدية الدولة في محاربته، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن نسبة القطاع غير المهيكل في المغرب تصل إلى 40 في المائة وليس 19 في المائة، قبل أن يتابع قائلا إن القضاء على هذا القطاع يستلزم بديلا اقتصاديا وسياسة تصنيعية. من جهة أخرى، قال بنعلي إن المغاربة لا يذهبون بكثافة إلى مكاتب الاقتراع لأنهم يعرفون مسبقا أن أصواتهم لا قيمة لها على مستوى القرارات الاستراتيجية التي يبت فيها مجلس الوزراء.
– هل يتجه المغرب فعلا نحو إعصارات مالية واقتصادية كما قلت في إحدى مقالاتك؟
> بطبيعة الحال، فالمغرب انتظر 25 سنة لكي يتحكم في التوازنات الماكرو اقتصادية، وربما الآن بدأت هذه التوازنات تختل مرة أخرى، فعجز الميزانية بدأ يسجل نسبة 6 في المائة، والمديونية فاقت 50 في المائة من الناتج الداخلي الخام، بعد أن كانت إلى عهد قريب في حدود 45 في المائة، كما أن عجز الخزينة بدأ يتقوى، وكذلك الميزان التجاري الذي لا زال يواصل انهياره. وهذه كلها أشياء تبعث على القلق. يجب ألا ننسى أن المحيط الدولي يلعب دورا أساسيا في هذا التدهور، فالزبون الرئيسي والسوق الكبرى للمغرب هي أوربا، وهذه الأخيرة تعاني حاليا من أزمة خانقة، إذ صرح رئيس المفوضية الأوربية مانويل باروسو، مؤخرا، بأن أوربا تمر بأكبر أزمة مالية لم تعرفها القارة العجوز منذ عدة سنوات. إذن يجب الأخذ بعين الاعتبار كل هذه الأمور، سواء الداخلية أو الخارجية، وألا نفرط في الحديث عما هو سياسي، لأن هاجس الدولة كان هو السلم الاجتماعي والخروج من منطقة الاضطرابات التي خلقها ما يسمى «الربيع العربي»، غير أنها دخلت الآن منطقة أخرى يمكن تسميتها بـ«الاضطرابات المالية»، التي قد تكون لها انعكاسات اجتماعية وسياسية.
– وكيف ترى الحلول التي تقدمها الحكومة بخصوص هذه الاشكالية؟
> الحكومة عانت من تداعيات الربيع العربي، الذي كان ظرفية غير منتظرة، لهذا تعاملت معها بما يسميه الفرنسيون «pilotage à vue»، أي أن الحكومة عندما تواجه مشكلا تحاول حله بسرعة وبدون اعتبار لتداعياته المستقبلية، فعندما خرج الناس إلى الشارع وطالبوا بإسقاط الفساد، تم الرفع من الأجور وتوظيف المعطلين وتمرير دستور جديد، أي أن الدولة اشترت السلم الاجتماعي، ودبرت المشكل في مداه القصير جدا، لكن تناست أن هناك تداعيات مستقبلية على المديين المتوسط والبعيد، إذ ما كان يهمها هو الخروج من تداعيات ثورات الربيع العربي بسرعة وبأقل الخسائر، لكن عبر تنازلات ستكون لها انعكاسات خطيرة على مالية الدولة، فالمغرب ليس كالسعودية أو الجزائر حيث يوجد ريع النفط، أي أن تشتري سلما اجتماعيا وكفى. لقد هربت الدولة من مشكل إلى مشكل أكبر منه، ويمكن القول إن سياسة المغرب الحالية هي ظرفية وقصيرة المدى، فهو لا يتوفر على بعد النظر أو استراتيجية محكمة للمستقبل.
– وما الحل في رأيك؟
> ليست هناك عصا سحرية أو حلول جاهزة. يجب أن نستفيد من التجارب السابقة، خصوصا في فترة السبعينيات والثمانينيات وتجربة التقويم الهيكلي، فكلما مارست الدولة سياسة تقشفية كان هناك انفجار اجتماعي، وهذه الفترة التي يمر منها المغرب هي جد صعبة، لأن منهجية الدولة حاليا ليست واضحة، إذ لا زالت تستند على الأحزاب القديمة وعلى محاورين تقليديين لا يتحكمون الآن في الظرفية الاقتصادية ولا في الظرفية السياسية، يعني أن الدولة يجب أن تغير استراتيجيتها في الظروف الراهنة.
– سحب مشروع القانون المالي 2012 من البرلمان ألا يعتبر ارتباكا تعيشه الحكومة الحالية؟
> أظن أن الكل متفق على وجود ارتباك حكومي في هذه المسألة، ويمكن القول إن هناك ارتباكا وعدم احترام للدستور، لأن الحكومة الحالية ملزمة بتقديم مشروع الميزانية أمام نواب البرلمان، وبالتالي فالدولة لم يكن لها موقف واضح لحد الساعة، وهذا يعني أن استراتيجيتها غير واضحة، ويطرح السؤال: كيف ستواجه الدولة هذه الأزمة؟ هل ستلجأ إلى سياسة التقشف؟ أظن أنه في ظل الظروف الحالية لا يمكن ذلك، خصوصا بعد الزيادات الأخيرة في الأجور وضخ المليارات من الدراهم في صندوق المقاصة، إذ سيقول الرأي العام إن هناك تراجعا كبيرا عن المكاسب، وربما يؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة…هل ستلجأ الدولة إلى الخوصصة؟ أظن أنه لم يتبق لها ما تبيعه.هل ستلجأ إلى المديونية؟ ولو أن المغرب لا يزال يتوفر على هامش لكي يستدين من الخارج، لكن هذا الهامش سيزول بسرعة، ويجب التذكير في هذا الصدد بأن المغرب لجأ خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي إلى المديونية، التي أدت إلى نتائج كارثية وظروف اقتصادية صعبة..ماذا تبقى إذن؟ هناك حديث عن الرجوع إلى سن ضرائب جديدة، مثلا الضريبة على الأثرياء، لكن هذه الآلية لن تساهم كثيرا في حل الأزمة القائمة، حيث يجب التفريق بين الضريبة على الأثرياء وضريبة المقاولات، التي لا يجب أن ترتفع، حسب رأيي، بل بالعكس يجب أن تقلص، لأن الشركات تخلق قيمة مضافة، عكس المظاهر الخارجية للثراء مثل السيارات الفارهة والفيلات…إلخ التي يجب على الأثرياء أن يدفعوا عنها ضرائب.
– تعني بذلك صندوق التضامن الذي اقترحته الحكومة ؟
> كثر الحديث مؤخرا عن هذا الصندوق الجديد ومن سيساهم فيه، هل هو نوع جديد من الضرائب؟ هل ستساهم فيه الأبناك وشركات التأمينات؟ في اعتقادي يجب أن يمر تأسيس صندوق التضامن هذا عبر مفاوضات وطنية مع كل الأطراف والفاعلين المحتملين، ومن أجل تحقيق هذا الغرض يجب أن تتوفر الحكومة المقبلة على قاعدة شعبية قوية، ولديها مشروعية كبيرة لكي تحاور جميع الفصائل الاجتماعية وتقنعها بضرورة فرض ضرائب جديدة، أما الحكومة الحالية فتعاني من ضغوطات قوية، مما يدفعها إلى تقديم مشروع القانون المالي للمناقشة بالبرلمان ثم تقوم بسحبه. هناك من يتكلم عن ضغوطات تفرضها الباطرونا والشركات التابعة لها، وهناك كذلك ضغوطات داخلية، وهي أمور ستنعكس لا محالة على عمل الحكومة المقبلة، التي ستواجه صعوبات جمة، خصوصا إذا لم تكن لديها قاعدة شعبية ومشروعية من أجل التفاوض والتحاور مع جميع الفئات الاجتماعية. وهذه الأخيرة لا أعني بها الأحزاب السياسية، لأنها بكل بساطة ليست لديها قاعدة اجتماعية، حيث إن أكبر حزب بالمغرب لا يتوفر على أكثر من 500 ألف صوت، وبالتالي يجب محاورة الجميع، خصوصا أولئك الذين نزلوا إلى الشارع منذ 20 فبراير الماضي، الذين يجب أن تعطى لهم مؤشرات على أن الأمور تتغير، مثل محاربة الفساد بطرق علمية، والتي يمكن أن تخلق نوعا من الارتياح لدى الرأي العام، وهناك كذلك الأموال المنهوبة التي يجب استرجاعها، والدولة لحد الآن لم تكن لديها الجرأة لفعل ذلك.
– وماذا عن صندوق المقاصة الذي ابتلع لحد الآن 42 مليار درهم؟
> بالفعل هذه إشكالية كبيرة يطرحها هذا الصندوق، فالدولة كانت تتحدث عن إصلاح هذه الآلية قبل سنوات، لكننا الآن نلاحظ أن الحديث لم يعد ينصب حول الإصلاح، بل استمر الصندوق في استنزاف موارد الدولة التي تعتبر قليلة أصلا. ولا يجب أن نغفل بأن صندوق المقاصة لا يخلق قيمة مضافة، وأي مصاريف لا تخلق قيمة مضافة تساهم في تراجع مالية الدولة، لكن بالمقابل لا يمكن للدولة أن تستغني عن دعم المواد الأساسية، ولا يجب أن ننسى أن ما وقع بالعالم العربي ابتداء من تونس، التي كانت تعطي المثال في نجاح اقتصادها ونموه خلال السنين الأخيرة، كانت نقطة ضعفها تكمن في توزيع الثروات، حيث كان رئيس الدولة وعائلته هم من يستولي على خيرات البلاد، كذلك كان من أهم أسباب الثورة المصرية أن جمال مبارك بدأ في توجيه اقتصاد البلاد إلى «نيو ليبرالية»، وأراد أن يقضي على جميع أصناف الدعم والمساعدة التي كانت تقدمها الدولة للفقراء، في حين أن الـ«نيو ليبرالية» لا يمكنها أن تستقر في دول مثل بلداننا التي تتميز بهوة اجتماعية قوية، وإذا ما طبقت فإن المجتمع سيصبح مثل غابة متوحشة تكون فيها الغلبة للأقوى، وهذه الأمور هي التي عجلت باندلاع الانتفاضات العربية.
– هل من الممكن أن تستغني الدولة عن صندوق المقاصة؟
> الدولة لن تحذف هذا الصندوق، وفي نفس الوقت هي مضطرة إلى إيجاد حلول أخرى، كثر الحديث عنها في السنين الأخيرة بدون تفعيلها، مثل توزيع إعانات مالية على الفقراء مباشرة، لكن السؤال المطروح هو كيفية تحديد هؤلاء الفقراء، وربما قد يشجع ذلك الرشوة أكثر، خصوصا من أجل الحصول على شهادة الضعف أو الاحتياج للاستفادة من الدعم، وكان هناك حديث كذلك عن نقل التجربة المكسيكية الناجحة في هذا المجال، لكن لحد الساعة لا شيء أنجز. وفي اعتقادي الشخصي أن لدى الدولة إكراهين اثنين: الأول هو الاستغناء عن صندوق المقاصة، والإكراه الثاني هو قلة الموارد لتمويل هذا الصندوق. إذن يجب إيجاد حل سريع لهذه الإشكالية، ولعل الحديث عن اقتراح صندوق للتضامن في مشروع القانون المالي للسنة المقبلة يدخل في هذا الإطار، لكن يجب أن تتم دراسة هذا المقترح قبل تطبيقه لكي لا نقع في نفس أخطاء صندوق المقاصة منذ عشرات السنين.
– وماذا عن اقتصاد الريع؟
> طالبت حركة 20 فبراير منذ خروجها إلى الشارع بإسقاط الفساد، والفساد في المغرب هو اقتصاد الريع، لأن هذا الأخير أدى إلى ما وصلنا إليه الآن من مأزق مالي واقتصادي، والدولة من جهتها لا تريد وغير جدية في محاربة الفساد، بل تحاول «إلهاء» الشعب من خلال إخراج بعض ملفات الفساد ومحاكمة بعض المفسدين، فلماذا مثلا لا يتم تفعيل ما جاء به تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي يصدر كل سنة؟ فالناس عندما يرون بأن الدولة لا تفعّل تقريرا خطيرا تصدره هي بنفسها، يفقدون الثقة فيها فتزول مصداقية الدولة آنذاك، لأنها تقول إن هناك مفسدين، وتذكر ذلك بالأسماء والإحصائيات، دون أن تكون هناك متابعة لهؤلاء المفسدين.
– وما رأيك في الانتعاشة المسجلة في القطاع غير المهيكل بالمغرب خصوصا خلال هذه السنة؟
> هذا ما يصب فيما صرحت به سابقا، فالدولة تربح آنيا، لكنها تفقد هيبتها، وهذا أمر خطير، وكما نرى فالباعة المتجولون يحتلون أماكن عمومية وحتى الطرقات الرئيسية ويعتبرون ذلك حقا مكتسبا. ويجب ألا ننسى أن هؤلاء الباعة استعملتهم الدولة ضد متظاهري 20 فبراير في الدار البيضاء مثلا. وبالرجوع إلى كيفية ظهور القطاع غير المنظم بالمغرب، نجد أن الدولة لم تكن قادرة على خلق فرص للشغل، ولم تكن قادرة على تأسيس اقتصاد منتج، فمثلا في عهد الملك الحسن الثاني لم تكن الدولة تعير اهتماما لمناطق الشمال لمدة فاقت 40 سنة، فما الذي حصل؟ انتشرت تجارة المخدرات وتبييض الأموال والسوق السوداء وقوارب الموت…إلخ، وهذا معناه أن مناطق الشمال كانت «أوفشور» منذ مدة بعيدة، دون الحديث عن درب غلف وتزييف الماركات العالمية. كل هذه الأمور لا ترصدها إدارة الضرائب، فحسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، يشكل القطاع غير المهيكل بالمغرب حوالي 19 في المائة من الاقتصاد المغربي، وأنا أقول إنه بين 25 بالمائة و 40 بالمائة، والشيء الخطير ألا أحد استطاع إيقاف هذا النزيف، وعندما قررت الدولة إيقاف ذلك لأول مرة سنة 1984، اندلعت أحداث الشمال. فهذه الأمور لا يقضى عليها بين عشية وضحاها، بل يجب أن تتبنى الدولة سياسة تصنيعية وبديلا اقتصاديا لتشغيل هؤلاء الناس، فالقطاع غير المهيكل لديه سلبيات ثلاث في نظري: أولا، إنتاجيته ضعيفة جدا. وثانيا، يقضي على الصناعة المغربية، فعندما تشتري جهاز تلفاز من سبتة أو مليلية توقف صناعة هذا الجهاز بمصانع الدار البيضاء. وثالثا، هذا القطاع لا يدفع سنتيما واحدا إلى مديرية الضرائب، ومعنى ذلك أن موارد الدولة تتناقص، حيث يمكن القول كذلك إن المقاولات التي لا تدفع ضرائب تدخل في خانة القطاع غير المهيكل لأنها تتهرب من الجبايات، وبالتالي فالدولة عندما تصرح بأنها تعيش ضائقة مالية فإن أحد الأسباب الرئيسية لذلك هي أن القاعدة الضريبية ضعيفة لأن 80 في المائة من مداخيل الدولة تأتي من الضرائب.
– هناك أزمة سيولة في الأبناك وتراجع لاحتياطي العملة الصعبة، ألا يشكل ذلك خطرا على المغرب؟
> طبعا، فالسيولة التي كانت متوفرة سابقا كانت تأتي أساسا من مداخيل السياحة ومداخيل الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وبعض المداخيل الأخرى، لكن حاليا بدأت هذه المداخيل في التراجع باستثناء صادرات الفوسفاط، التي حافظت على نمو مبيعاتها، لأن المواد الأولية في السوق الدولية ما فتئت ترتفع سنة بعد أخرى، أضف إلى ذلك أن الميزان التجاري لا زال يتراجع شهرا بعد آخر، حيث إن نسبة 47 في المائة من الواردات المغربية لا تعوضها الصادرات، فالمحروقات ارتفعت أسعارها والمواد الغذائية كذلك لأن المغرب يستورد هذه المواد بكثرة، وهو ما أثر على احتياطي العملة الصعبة بالمغرب، الذي كان يتوفر خلال سنة 2008 على احتياطي 11 شهرا، لكن حاليا لا يتعدى هذا الاحتياطي 6 أشهر. ورغم أن هذه النسبة لا تشكل لحد الآن خطرا، فإن هذا الاحتياطي ما فتئ يتراجع شهرا بعد آخر، وهو ما يشكل خطرا على التوازنات المالية للمغرب.
– اقترح بعض الخبراء أن على المغرب رفع حصة الذهب في احتياطي الصرف. ما رأيك؟
> المشكل ليس في احتياطي الذهب أو العملة الصعبة. الإشكالية الحقيقية بالنسبة إلي هي ضعف الإنتاجية، وذلك معناه أن تنافسية المنتوج المغربي ضعيفة، وبالطبع سيكون لهذا الأمر تأثير على المداخيل، التي تراجعت بقوة في الوقت الراهن، فبرنامج «إيميرجنس» لم يحقق أي نتيجة لحد الساعة، ومنذ 8 سنوات والحكومة تتحدث عن هذا البرنامج، لكن والي بنك المغرب قال بنفسه إنه لم يلمس نتائج من هذا البرنامج، وهذه أمور أعتبرها أساسية، إذ لا يجب النظر إلى الاحتياطات من الذهب أو غيره، لأن قوة اقتصاد بلد ما هي في قوة إنتاجيته، التي تعطي قوة تنافسية، أي أن يكون للمنتوج المغربي حضور قوي في الأسواق العالمية.
– هل استفاد المغرب من اتفاقيات التبادل الحر التي وقعها منذ سنوات؟
> لقد دخل المغرب العولمة وبدأ يوقع اتفاقيات التبادل الحر مع العديد من الدول، من بينها تركيا، التي وفرت لها الحكومة المغربية سوقا بالمجان، باعتبار أن المنتجات التركية ذات تنافسية كبرى، والمغرب لا يصدر شيئا يذكر إلى هذا البلد، في المقابل أغرقت السلع التركية السوق المغربي، وبالتالي فتوقيع اتفاقية مع بلد له من المنتجات ما ينافس به دولا متقدمة هو عمل غير مقبول، حيث يمكن قبول توقيع اتفاقية للتبادل الحر مع أوربا لأنها الزبون الأول للمغرب، بالإضافة إلى الاستثمار القوي للأوربيين بالمغرب، خصوصا عبر قطاع ترحيل الخدمات والأوفشورينغ، وكذا قبول هذه الاتفاقيات مع الولايات المتحدة الأمريكية لأنها ربما ستجلب استثمارات جديدة وتفتح آفاقا وأسواقا جديدة. وإذا سلمنا حاليا بأن المستهلك المغربي مرتاح لأنه يشتري سلعا تركية أو صينية، فإن كل ذلك على حساب المنتوج المغربي، الشيء الذي ينعكس على فقدان مناصب الشغل، فكلما اشترى شخص منتوجا مغربيا اشتغلت يد عاملة مغربية والعكس صحيح.
– كيف ترى عملية تجديد النخب بالمغرب مع قرب الاستحقاقات الانتخابية؟
> كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تغيير النخب بالمغرب، لكن الملاحظ أنه ليس هناك أي تغيير، والعيب ليس في الدولة، بل في القواعد الحزبية، حيث يجب أن يكون التغيير من المنخرطين والمناضلين. كما كثر الحديث عن الشباب والسياسة، وفي رأيي الشخصي يجب أن يكون السياسي محنكا بغض النظر عن سنه، إذ لا يجب أن نتحدث عن الشباب وحتى عن النساء على أنهم «أشياء»، المهم أن تكون لديهم أفكار سياسية تخدم البلد، أما أن نكرر الخطابات والهتافات المطالبة بتشبيب الحياة السياسية فهذا ليس حلا، بل يجب أن يكون الشباب قادرا على إنجاز برنامج سياسي واقتصادي مقنع للرأي العام، وفي اعتقادي أن المغرب لا يتوفر الآن على أناس لديهم كاريزما زعيم سياسي، فالمغرب كان يتوفر على نخبة سياسية وزعماء من أحسن ما جادت به دول العالم الثالث خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، أي في عهد نظام الحسن الثاني، الذي أنجب زعماء مثل المهدي بنبركة وعلال الفاسي وعبد الخالق الطريس وعبد الرحيم بوعبيد وعمر بنجلون وعزيز بلال وغيرهم، أما اليوم فالنخب تراجعت بشكل كبير، ولا نتوفر على رجل سياسي واحد بهذه المواصفات داخل الحقل السياسي المغربي، وهو ما يجب الانتباه إليه، ومن الواجب إعادة هيكلة الأحزاب السياسية الموجودة حاليا بهدف استعادة قوتها في الساحة، كما أن على الدولة احترام استقلالية الأحزاب، ويجب أن تخلق جوا من الحرية والشفافية، حيث تكون هناك تنافسية شريفة، والذين يتكلمون عن الليبرالية يجب أن يطبقوها في السياسة أولا.
– هل تتوقع تغييرا في برامج الأحزاب خلال الاستحقاقات القادمة؟
> الدستور واضح في هذه المسألة. هل يمكن لحزب معين أن يقدم برنامجا سياسيا أو اقتصاديا؟ الدستور يقول إن القرارات الاستراتيجية للمغرب يجب أن يبت فيها مجلس الوزراء. معنى ذلك أنه يجب أن يصادق عليها الملك، فالحزب الذي يعرف مسبقا أن برنامجه سوف لن يعتد به، لماذا ينجزه. الآن كل الانتقادات موجهة إلى الوزير الأول، وأنا أظن أنه لا يجب توجيه سهام النقد إليه لأنه، حسب الدستور، ليس مسؤولا ولا يملك حق اتخاذ القرارات، فالذين يلومون الوزير الأول ربما يفعلون ذلك لأنهم يعتبرونه ذلك «الحائط القصير»، وهذا نوع من الجبن في نظري، وأعتقد أن عباس الفاسي كان واضحا منذ البداية، عندما سألوه عن برنامجه، فأجابهم : هو برنامج صاحب الجلالة. وحتى الوزراء الذين سيتولون نفس منصبه سيكون لهم نفس التوجه، لأن الدستور واضح في هذا الشأن. القرارات المهمة تتخذ داخل مجلس الوزراء وليس داخل مجلس الحكومة. إذن برامج الأحزاب ليست لها أي قيمة، لأنها بكل بساطة لن تطبق، أضف إلى ذلك كثرة الأحزاب التي تتقلد المناصب الوزارية، فليس هناك حزب واحد يرأس الحكومة، بل هناك فسيفساء، وأعتقد أن المغاربة فهموا كل هذه الأمور في استحقاقات 2007 عندما لم يصوت سوى 30 في المائة، بمعنى أنهم كانوا يعرفون معرفة جيدة أنه ليست هناك رهانات للذهاب إلى التصويت. لماذا سيذهب المواطن إلى مكاتب الاقتراع وهو يعلم مسبقا أن الأمور لن تتغير، عكس الأوربيين والأمريكيين، الذين يذهبون بكثافة إلى التصويت وهم يعلمون أن أصواتهم لها قيمة.
– وماذا عن تجاوب الدولة مع الإصلاحات التي نادت بها حركة 20 فبراير؟
> أظن أن الدولة لبت بعض مطالب حركة 20 فبراير، لكن مضمون الشعارات، التي كانت ترفع في المسيرات والمظاهرات، كان يدور حول الإصلاح الجذري ومحاربة الفساد وليس حول الحلول الترقيعية كالتي قامت بها الحكومة، فلا الدولة ولا الأحزاب تريد تطبيق ما تطالب به حركة 20 فبراير، وما قامت به الدولة هو جلب بعض الهيئات من خلال التنازلات التي ذكرناها سابقا، وكانت تهدف من وراء ذلك التقليل من حجم تلك التظاهرات ومطالبها القوية، وفضلت بذلك المراوغة على وضع الحلول لإصلاحات حقيقية،
لكن الطامة الكبرى أنها عوض التحاور مع الحركة الشبابية، أي حركة 20 فبراير، فضلت الجلوس مع الأحزاب التقليدية، التي لم تطلب أي شيء، فالأحزاب لم تطالب بأي شيء يذكر، وأصبحت الآن هي التي تحاور الحكومة، وهو ما يعني أن منهجية الدولة غير ناجعة في هذا الصدد.

سعيد الطواف
الخميس, 06 تشرين1/أكتوير 2011

‫شاهد أيضًا‬

دراسة نقدية لمجموعة (ولع السباحة في عين الأسد).للقاص (حسن ابراهيم) * د. عدنان عويّد:

التعريف بالقصة القصيرة ودور ومكانة القاص في تشكيل معمارها:      القصة …