تحتاج القوى الوطنية الديمقراطية، اليوم، أكثر من أي وقت مضى، للوضوح في الرؤية، وسط ضبابية سياسية، لم يسبق لها مثيل، بعد نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي وضعت حزبين، حديثيْ العهد، في مقدمة الترتيب: الأول، نشأ في منتصف تسعينيات القرن الماضي، والثاني، تأسس قبل ثماني سنوات.
فهل حصلت فعلا تحولات سياسية، حقيقية، في المغرب، تبرر هذا الوضع الجديد، الذي تراجعت فيه هذه القوى، انتخابيا؟ هل تغير فعلا وعي المغاربة، لتبرز في الساحة السياسية قوتان بهذه السرعة، تكاد تكون قياسية، في بلد درجة المشاركة السياسية فيه محدودة، تؤكدها معدلات عدم التسجيل في اللوائح الانتخابية والعزوف عن التصويت وغيرها من مظاهر اللامبالاة أو عدم الثقة في جدوى المشاركة.
لذلك، من الصعوبة بمكان، تفسير هذا المشهد، اعتمادا على المناهج المتعارف عليها في العلوم السياسية والسوسيولوجية السياسية، التي تحلل السلوكات الانتخابية والآراء والمواقف ومختلف التحولات، بناءً على معايير موضوعية، تتعلق بالبرامج، والقدرة على إقناع الناخبين، وقيادة المعاركالسياسية والاجتماعية والنقابية والحقوقية… وغيرها من العناصر التي تفسر تعاطف الجماهير مع أيِّ قوة سياسية.
لذلك يبدو المشهد السياسي بالمغرب، غريبا، حيث يتصدره انتخابيا، حزبان، أحدهما كان مسؤولا عن تجربة حكومية، لم تكن جيدة، وحملت معها إخفاقات وتراجعات، أضرت بمصالح وأوضاع فئات شعبية، وحزب في المعارضة، يتشكل مرشحوه، في غالبيتهم، من الأعيان، الذين لا يمكن أن يمثلوا هذه الفئات.
لقد كانت اللعبة الانتخابية والدعائية حاسمة، في رسم خريطة هذا المشهد، وليس المواقف والبرامج والنضالات، مما يعني أن الموقع الانتخابي، للقوى الوطنية الديمقراطية، لا يعكس حقيقة وضعهما في المجتمع.
غير أن هذا التشخيص لا يعفي هذه القوى من ممارسة النقد الذاتي، للوقوف على الخلل الحاصل في هذا المشهد، حيث إنها تساهلت كثيرا، في قضية رئيسية، تتعلق بالإصلاح السياسي، الذي يتيحه الدستور، لتطوير البناء الديمقراطي، على مختلف المستويات السياسية والقانونية والمؤسساتية والحقوقية والإعلامية، وأيضا كل ما يتعلق بإصلاح المنظومة الانتخابية، التي تؤكد كل المعطيات والتجارب أنها أصبحت متجاوزة، حيث أسفرت عن قطبية مصطنعة، تهدد التعددية وتضعف قوى فاعلة في المجتمع.
الاربعاء 19 اكتوبر 2016.