من بين أهم القضايا المطروحة اليوم، في الساحة السياسية، طبيعة العلاقة التي ينبغي أن تربط الأحزاب بالمواطنين، هل هي علاقة مشاركة وتأطير وتمثيل، أم علاقة نفعية، يقدم فيها التنظيم الحزبي، خدمات آنية، متعددة الأوجه، للمواطن؟

المسألة مطروحة بحدة، حيث يتأكد من خلال تجربة السنوات الأخيرة، أن التوجه العام الذي تسير فيه هذه العلاقة، هو تكريس الزبونية، على عدة مستويات، بدءا بالخدمات التي تقدمها الجماعات المحلية، حيث يتحول المستشارون المحليون، إلى وسطاء بين المواطنين والإدارة، بل إن الخدمات التي من المفترض أن تقدمها الجماعات المنتخبة، في إطار واجباتها تجاه المواطنين، تتحول إلى امتياز، حيث يتدخل المستشارون لتقديمها كما لو كانت هدية منهم، في إطار تشكيل الشبكات الزبونية، التي تستعمل بعد ذلك في توفير الأصوات الانتخابية.

لقد أبدعت بعض الجماعات المحلية خدمات جديدة، وتمكنت من إدماجها في أبواب ميزانياتها، مثل تنظيم المآتم، بل وحتى الأفراح، بهدف تقوية هذه الشبكات.

و تطورت هذه العلاقة الزبونية، لتصل إلى قطاعات أخرى، مثل التعليم والصحة، وغيرها من المصالح، التي أصبح الوسطاء، من مستشارين جماعيين وبرلمانيين ومسؤولين حزبيين، يلعبون فيها دورا، لا علاقة لهم به، تنظيميا وإداريا، لكنهم أصبحوا هم الواسطة، بينهم وبين الإدارات، لتسهيل الحصول على حقوق مكفولة أصلا للمواطنين، بحكم الدستور والقوانين.

زيادة على كل هذا، تم تحويل الفعل الإنساني، المتمثل في التضامن والإحسان، إلى استراتيجية انتخابية، في تناقض تام مع الغاية الدينية، التي تعتبر أن الصدقة تعطى لوجه الله، «لا نريد منكم جزاءً ولاشكورا».

ويمكن القول، إن مايسمى سياسة القرب، قد تم تشويهها، بالمرّة، لتتحول إلى سياسة تقرب، وتنحرف عن هدفها المتمثل في الإنصات للناس، للتعرف على مشاكلهم، وتبادل الرأي معهم، واستشارتهم، ودعم مشاركتهم الفاعلة في ممارسة حقوقهم، كمواطنين، وليس كزبناء، قاصرين، ينتظرون من الحزب والمستشار الجماعي والبرلماني والفاعل الجمعوي، التوسط له لدى الإدارة وأصحاب النفوذ، أو ينتظرون التصدق والإحسان إليهم، لكسب أصواتهم… أو أن تتحول الخدمات الموكلة للبلديات، بالقانون، إلى عملية استقطاب سياسي وتجييش انتخابي.

من بين الإصلاحات الكبرى، التي ينبغي الشروع فيها، تغيير دور المنتخبين والأحزاب، من الوساطة والخدمات، للتمثيل السياسي، في إطار دولة الحق والقانون والمؤسسات، بما يعني ذلك، من زرع الثقة في المشاركة السياسية ، كأداة للتغيير، وممارسة حقوق المواطنة.

fhgtzdp

الثلاثاء 18 اكتوبر 2016.

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…