من بين الأسئلة الكبرى، التي طرحتها الانتخابات التشريعية الأخيرة، هي؛ هل النموذج السياسي الحالي، الذي تم تكريسه، يساعد على مواصلة البناء الديمقراطي، أم أن المغرب يعيش أزمة حقيقية، من شأنها التفاقم، بعد أن تبين أن المشاركة الشعبية في الاستحقاقات، ظلت محدودة، إلى درجة أن الحزبين، اللذين تصدرا النتائج، في مجموع الأصوات المحصل عليها، لا يتجاوزا 12 في المئة من الذين يحق لهم التصويت في المغرب.
مما يعني أن حزبيْ العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، بكل الوسائل الضخمة التي تم تخصيصها من طرفهما، لهذه الانتخابات، فإن النسبة الساحقة، من الجماهير الشعبية، ظلت خارج اللعبة الانتخابية، مما يلقي بظلال التشكيك والضعف على قوة تمثيلية المؤسسات المنتخبة، وما سينتج عنها، من حكومة وتدابير وقوانين، وغيرها من السياسات في إدارة الشأن العام.
من المؤكد أن هذا الواقع، ينبغي أن يؤرق الدولة، قبل، الديمقراطيين، لأن العزوف عن المشاركة السياسية، وإن كان يطمئن التوجهات التقليدية، التي تتخوف، عادة، من تقدم الوعي الديمقراطي، غير أن ما هو أخطر هو عدم الثقة، من طرف الشعب في المؤسسات التي من المفترض أنها تؤطره، مثل الأحزاب، والتي تمثله كالبرلمان، والتي تسير الشأن العام، كالحكومة.
هذا «الفراغ الديمقراطي»، لا ينبغي أن يكون مصدر اطمئنان، بل على العكس، ينبغي أن يكون مصدر قلق، لأن الثقة في الآليات الانتخابية ، تعني الثقة في مؤسسات الدولة، والنفور من هذا المسلسل، يعني فقدان الثقة، في إمكانيات التغيير الإيجابي، بالوسائل المشروعة.
لذلك، من واجب أي حزب، مهما كان راضيا أو غير راضٍ، عن النتائج، أن يتأمل في هذا الواقع، الذي يحتاج إلى تظافر الجهود، من أجل ملء هذا الفراغ، الذي لا يمكن إلا أن يكون خطرا على الوعي الديمقراطي، وعلى الشعور بالمواطنة، وعلى المشاركة الفعلية للمواطنين، في الحياة العامة.
بعد أن أنجز المغرب الإصلاح الدستوري، سنة 2011، كان من المفترض أن يرافقه برنامج شامل للإصلاحات السياسية، على كل المستويات، من أجل تمكين نص الدستور، من الأيدي والأرجل، التي تجعله قادرًا على المشي والفعل، في أرض الواقع، الأمر الذي لم يحصل، بعد خمس سنوات، ضاعت من عمر البناء الديمقراطي.