من المؤكد أن أهم إشكالية بعد الاستحقاقات التشريعية، التي من الضروري دراستها، هي فهم السلوك الانتخابي للمصوتين، من أجل تفسير عدد من المعطيات، التي ظلت مجهولة، والتي ستكون مفيدة لتفسير الغموض الذي مازال محيطا بالمشهد السياسي.
كيف يمكن فهم الانحدار الذي عرفته نتائج أغلب الأحزاب السياسية، بينما تمكن حزبان من التقدم في هذه النتائج؟ ما الذي دفع أغلب الناخبين إلى التصويت على حزبين، دون الأحزاب الأخرى؟ هل عن قناعة سياسية؟ أم أن هناك دوافع أخرى؟ و ماهي؟
هذه هي الأسئلة الحقيقة، التي من الضروري تقديم أجوبة علمية عنها، من أجل إلقاء الأضواء على الدوافع التي تحدد سلوك الناخبين، كما يحصل في عدد من البلدان الديمقراطية، حيث تتم دراسة اتجاهات التصويت، على مختلف المستويات، الديمغرافية والجغرافية والإثنية والعقائدية… مما يمكن الأحزاب والباحثين والمواطنين، من فهم الخريطة الحقيقة، للمشهد السياسي.
من بين الألغاز التي ينبغي فك طلاسمها، كذلك، ما هي الدوافع الحقيقية، التي تجعل ناخبين يصوتون لأحزاب، لا تظهر إلا في الحملات الانتخابية، وتختفي بعد ذلك، وبين استحقاقين، لا وجود لها في الساحة السياسية أو النقابية أو الاجتماعية أو الثقافية … بل هي عبارة عن دكاكين انتخابية، تفتح أبوابها بمناسبة الانتخابات وتغلق بعد إعلان النتائج.
من هذه الأحزاب ما يمثل رقما مهما في المعادلة السياسية، بل منها من شارك في كل الحكومات، منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، إلى اليوم، ومازال يشتغل بنفس الآلية، رغم كل التحولات السياسية والاجتماعية والديمغرافية التي حصلت، في المغرب، ورغم التغيرات الإقليمية والعالمية، إلا أن هذا الصنف من الأحزاب، لا يتغير ولا يتبدل ولا تؤثر فيه كل هذه العوامل، التي من المفترض أن يتفاعل معها.
الملاحظات الأولية التي يمكن أن نقدمها لفهم كل هذه الطلاسم، ولفهم السلوك الانتخابي، للمصوتين، هي أن العامل الرئيسي في تحديد دوافع التصويت، هي الشبكات النفعية، التي تمكنت بعض الأحزاب من نسجها، بمختلف الآليات، الدعوية/الإحسانية، الزبونية، الرشوة الانتخابية، الروابط القبلية… أي مجموع الدوافع التي لا تمت بصلة للقناعات السياسية والفكرية، بالنسبة لأغلب المصوتين.
غير أن هذه الملاحظات المستقاة من المعايشة والتقارير الحزبية، في حاجة إلى دراسات علمية، توضح الصورة أكثر، وتتأسس على المناهج المتعارف عليها في دراسة السلوك الانتخابي.