حسب النتائج الرسمية التي أعلنتها وزارة الداخلية، فإن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية لـ 7 أكتوبر 2016، لم تتجاوز 43 %. وهي نسبة أقل من تلك التي عرفتها انتخابات 25 نونبر 2011 (45،40%) وأكبر بكثير من تلك التي عرفتها انتخابات 2007 (37%، ومنها حوالي 19 % من الأوراق الملغاة).
لن أخوض في مدى مصداقية النسبة المعلنة من عدمها ولن أشكك في صحتها. لن أساير الأصوات والأقلام التي تُخفِّض هذه النسبة إلى ما تحت النصف. صحيح أن وزارة الداخلية قد عودتنا، في عهد البصري، على التلاعب في الأرقام، بما في ذلك نسب المشاركة. لكن، منذ سنة 2002 ، أصبح الأمر مختلفا. ونعتقد أن نسب المشاركة المعلنة منذ هذا التاريخ، هي مطابقة للواقع أو تكاد.
ويبقى الأهم، في نظري، بعد أن وضعت المعركة الانتخابية أوزارها، هو الحصول على أدق التفاصيل حول النسبة العامة التي أُعلِن عنها عقب استحقاق 7 أكتوبر 2016؛ ذلك أن من شأن هذه التفاصيل أن تسمح للمتتبعين والمحللين وكل المهتمين بأن يقوموا بقراءة موضوعية ودقيقة لنسبة المشاركة وللنتائج المترتبة عنها.
ومن بين التفاصيل المطلوبة، تحديد نسبة المشاركة في العالم القروي ونسبة المشاركة في المدن التي، عادة، ما تكون المشاركة فيها ضعيفة. ومن المفيد، أيضا، أن تُعرف، بالنسبة للمدن، الأحياء التي كان التصويت فيها مرتفعا وتلك التي كان التصويت فيها منخفضا.
ومن شأن مثل هذه المعطيات أن تسمح بوضع خارطة خاصة بنسب المشاركة، التي قد تُعِين على فهم توجهات التصويت (أو عدم التصويت) في ارتباط بالأوضاع السوسيو-اقتصادية والسويو- اجتماعية والسويو- ثقافية. وهو ما سوف يسمح بالقيام بقراءة موضوعية لنتائج الاقتراع في عموميتها.
وقد تسمح لنا هذه القراءة بوضع تصنيف للناخبين الذين أدلوا بأصواتهم وتصنيف آخر لأولئك الذين اكتفوا بالتسجيل في اللوائح الانتخابية وأعرضوا عن المشاركة في التصويت. ويمكن لعلم الاجتماع السياسي أن يجد في كل المعطيات التي أشرنا إليها (إذا ما تم توفيرها) ما يساعد على فهم المشهد السياسي المغربي وطبيعة المؤسسات التمثيلية الوطنية والترابية.
وتجدر الإشارة إلى أن قراءة النتائج، بما فيها نسبة المشاركة، لم تتوقف منذ مطلع اليوم الثامن من أكتوبر، عبر وسائل الاتصال والتواصل المختلفة. ومن الملاحظ أن البعض يحاول أن يقنعنا بأن نسبة المشاركة في الاستحقاق التشريعي الأخير معقولة وعادية وأنها لا تختلف عما يحدث في كل الديمقراطيات.
وهذا زعم فيه الكثير من المغالطات التي قد تكون غير مقصودة. فالأساتذة الذين يستضيفهم الإعلام العمومي وكذا الإعلام المستقل على أنهم أكاديميون ومتخصصون في العلوم السياسية، غالبا ما يكونون بعيدين عن الميدان. فهم لا يعيشون ولا يعاينون ما يعاينه الفاعل السياسي الموجود في الساحة. لذلك، تأتي أحكامهم، أو على الأقل أحكام بعضهم، غير مطابقة للواقع.
فالقول، مثلا وبدون تحفظ، بأن التصويت كان سياسيا، فيه القليل من الصواب والكثير من الخطأ؛ ذلك أن الممارسين في الميدان يعرفون ما تفعله الرشوة الانتخابية، سواء كانت هذه الرشوة عينية ومُقدَّمة، سلفا، خلال مناسبة معينة، إما اجتماعية أو دينية أو عائلية، أو كانت رشوة نقدية تسلم مباشرة قبل أو بعد الإدلاء بالصوت، ناهيك عن بعض الممارسات التي لا تمت إلى الاختيار السياسي بصلة، من قبيل التصويت لابن القبيلة. هذا، دون الوقوف عند تصرف بعض رجال السلطة وأعوانها الذين لم يكونوا، في هذه الانتخابات، محايدين بالمرة.
بالمقابل، تعتبر مخاصمة 57 % من الناخبين مع صناديق الاقتراع (عدد المسجلين حوالي 16 مليون ناخب) وعزوف حوالي 12 مليون من المغاربة البالغين سن التصويت عن التسجيل في اللوائح الانتخابية، أمرا مقلقا لكونه يتسبب في ضعف التمثيلية؛ مما يمس بشرعية المؤسسات المنتخبة. وهو ما يسائل الدولة والأحزاب.
وإذا بحثنا في الأسباب، سنجد أن الكثير من الذين يقاطعون الانتخابات إنما يفعلون ذلك كتعبير عن رفضهم للواقع السياسي القائم، بغض النظر عن صواب هذا الموقف من عدمه. فعدم الذهاب لصندوق الاقتراع، هو تعبير، عند الكثير، عن عدم الرضا. لكن التصويت العقابي الذي لم يقع (رغم كثرة الشكوى من التراجعات ومن تردي الأوضاع ورغم النداءات الموجهة، في هذا الموضوع، من قبل القيادات النقابية والنخب المجتمعية) يقوم دليلا على عدم صواب هذا الموقف الذي ساهم في تزكية الوضع القائم.
فلو أن كل المتضررين من القرارات الحكومية وكل ضحايا التراجع عن المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية وغيرها وكل الفئات التي مُسَّت في قوتها اليومي، ذهبوا إلى صناديق الاقتراع بهدف “الانتقام” لكرامتهم، لكانوا قد أفرزوا خارطة سياسية غير تلك التي أفرزتها انتخابات 7 أكتوبر الحالي، رغم ما صرف فيها من أموال وما قُدِّم فيها من مساعدات عينية تحت غطاء الإحسان.
أما الآن، وقد وقع ما وقع، فلا عزاء للمتخاذلين الذين زكَّوا لعبة القطبية المصطنعة ومنحوا لـ”بنكيران”، في نفس الآن، الفرصة للإجهاز على ما تبقى من مكتسبات. ولا يسعني، شخصيا- بعد أن أجدد التهنئة للحزب الفائز- إلا أن أعزي نفسي وكل الذين صوتوا بقناعة بهدف إيقاف التردي. لكن الجيش الانتخابي الاحتياطي هزمنا جميعا.
لن أشكك في النتائج التي خرجت من الصناديق وفي نسبة المشاركة المعلن عنها. لكني أرفض المساحيق الإعلامية التي تعمل على تزييف الحقائق وتجميل الواقع السياسي والاجتماعي المتردي. فالأمر يتعلق بالوطن وبمستقبل أبنائه، وفي هذا الوطن، للأسف الشديد، أناس يستثمرون، سياسيا واجتماعيا وثقافيا، في الفقر والهشاشة.