الوهم يؤثر على الإدراك ..ويتسبب في تشوه تفسير الواقع وضبابية الرؤية والنظر..ويعطل فضيلة التامل وروح المبادرة ..ولهذا عندما يكون مرجع العمل العام هو تشويه الوعي وتحربفه بكل أشكال الخداع فان الجاهلية تجدد نفسها وتتلاءم مع روح العصر و الحداثة.. وقد قيل : إنك تستطيع أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس طول الوقت…
لقد كثر في مجتمعاتنا بعد الطفرة الكبيرة التي شهدها حقل الإعلام الإلكتروني وخاصة الاجتماعي منه أصنافا من الكتبة “المستبصرين ” فرادى او مجموعات او كتائب و الذين “يتوهمون أنهم يرون” مافوق الاشعة البنفسجية وما تحتها وأنهم يلتقطون باسماعهم كل الاصوات وعلى كل الموجات التي لاقدرة للانسان على التقاطها ..فنافسوا بذلك الحيوانات والجن …ووظفوا في ذلك علما “شيطانيا” أي نشر الوسوسة على شكل تدوينات او تقريعات …حيث أصبح بامكانهم معرفة النوايا وما تخفي الصدور ولو لم يعلن عنها صاحبها أو أصحابها …و هنا اجتمعت كل الاقلام الصفراء وحتى البعض من الاقلام الحمراء فبالغت في التيامن حتى أصبحت يمينية أكثر من اليمينيين أو أغرقت في التياسر حتى انعدمت ملامحها وصارت بدون جنس ولا لون ولا طعم …ففتحت أكشاكا متنقلة ..ونصبت لها المظلات ووضعت الاوراق والفناجين فاعتقدوا واهمين أنهم أحسن من يقرأ الماضي ويفهمه أكثر من الذين بنوه ليؤسسوا للمستقبل ..بل وتمادوا في تأويل الحاضر تعسفا وأصابهم مس ولوث في عقولهم فشرعوا بالتنبؤ بالغيب وأحيانا بالإغراق في تفاصيله وكأنها حقائق دامغة …
…فتحدثوا باسم “الصامتين” ونسبوا للمتكلمين نقيض ما صرحوا به ..واصبحوا _ وهذه نقول فيها للاحتياط _ “والله أعلم ” وكأنهم أعضاء في منظمة سرية تهندس لكل ما هو آت.. أو كأنهم ناطقون باسم رئيس الحكومة أو الاجهزة التنفيدية للاحزاب والنقابات والهيئات ..أو أنهم جواسيس لهم القدرة المطلقة على استراق السمع والهمس والافكار ..أو أنهم أفاكون ضالون مضلون وهذا هو الراجح في حالات الكثير منهم والذين صنعوا وأمروا ليفسدوا كل شيئ وليطعموا المجتمع صباحا ومساءا وليلا بالضلالات والخزعبلات والكلام الذي لايترك حسنة إلا وياتي عليها أكلا ومحوا حتى يصاب الناس بالافلاس في الدنيا قبل الاخرة …ليجثم على صدورهم الاحباط والفشل بعد أن يستفيقوا من غيبوبة أدخلوا فيها ومن ظلام أغرفوا فيه …
إن هؤلاء وأولئك يصح فيهم أنهم جاءوا من العدم ليصرفوا عدميتهم في الناس وهم بذلك لا يعنيهم الا التخريب والاساءة وافساد الذوق العام ..ولو سالتهم ماذا يعملون واين يصنفون انفسهم وما هي بدائلهم لوجدتهم كالخشب المسندة والاوعية الفارغة ضجيجها يلوث الفضاء ويشوش على حسن الاستماع والتمييز ..ولوجدتهم كالثقب الاسود لايصدر منه وعنه الا السواد ..ذلك ان شيطان أنفسهم زين لهم أعمالهم وصدهم صدا عن قول الحقيقة والتكلم أو الكتابة بالتي هي أحسن في سعي إلى النقد البناء والاصلاح النافع للناس كافة من أجل التغيير المعز والمكرم للساكنة عامة …
إنهم يظنون أن للشعوب قلوب وعقول لايفقهون بها و أعين لايبصرون بها الأشياء كما هي .. مع العلم أنهم يعلمون جميعا بنسب متفاوتة أن اعتماد سياسات التضليل وقلب الحقائق والإساءة لكل العاملين في جميع الحقول والمجالات العامة واعتماد الجهل والتجهيل ليصبح “فلسفة مجتمعية” تبتغي بسط التحكم في العقول والارادات وفي الناس.. فيزينون للشعب ما يسئ إليهم ويقض مضجعهم ..ويحذرونهم مما هو في صالحهم حقا وفعلا ..وهذا يتاتى بأساليب مختلفة من استعمال المال والجاه والنفوذ والسلطة والتوظيف السلبي للدين بغاية التحكم ..
إن الذين يتعمدون الحديث عن القطبية في المشهد السياسي بالمغرب يتجاهلون عمدا …أنه ومنذ استقلال المغرب والبعض كان يسعى الى ضرب الاحزاب الوطنية وتقزيمها وتهميشها فاسست لذلك احزاب في الستينات وفي السبعينات وفي الثمانينات ونخص بالذكر البعض من التي اسست في التسعينات وما بعدها …فإذا علم الجميع أن كل تجارب ماقبل التسعينات فشلت بنسب متفاوتة فان ما بعدها سيكون مآله الاندحار لان هدفهم الخفي هو تجديد وتحديث آليات وتقنيات التحكم في الشعب والوطن …فعن أية قطبية يتحدثون ؟؟…
إنهم جميعا في الحقيقة ومنذ الستينات إلى اليوم قطب واحد بأوجه متعددة يتناوبون في المشهد السياسي والعام كلما وهن واحد منهم بدلوه أو عوضوه بآخر أو آخرين يسند بعضهم بعضا ..في مواجهة قطب الحركة الوطنية التقدمية والحداثية ..
…وما عدا ذلك تمثيل للتضليل ولربح وقت معين ومحدود بتضييع لزمن ثمين جدا لو استغل بشكل جيد وصادق وعملي لقطعنا اشواطا في البناء الديموقراطي وبناء دولة المؤسسات …لكن مع الاسف هم بعملهم ذاك والذي ينسبه الجميع للمجهول المعلوم يضعفون المقاومة الوطنية الفطرية المنغرسة في شعبنا والتي أفشلت كل المحاولات والمؤامرات والحركات الاستعمارية لقرون …إنهم سيحولون الشعب بسياساتهم النفعية الريعية فكريا وعقديا ومصالحيا إلى سوق كبيرة للبشر يتلاعبون بمصيرهم ومستقبلهم ..فيقنعونهم بانتصارات وهمية لاشخاص معينين يمثلون امتدادا للوبيات متنوعة أو لهيئات تدعي أنها الأحق بخلافة كل الاحزاب ..أو أنها هي الوريث لتركتها بعد “اغتيالها “.. وقد نجد من بينها من يدعي أنه الفئة الناجية التي يجب أن يطيعها ويخضع لها الحاكم والمحكوم على حد سواء …
..وهذا من اكبر انواع التزوير والتحريف واخطرها باجتماع المال والنفوذ والتوظيف السياسوي للدين والحياد السلبي .. في صناعة اغلبيات صامتة ومقاطعة واقليات مشاركة يستخرج منها ما يوصف بانهم الممثل الشرعي للشعب الذي قهرته السياسات والقرارات اللاشعبية ..
إننا أمام مفترق طرق واضح ..إما حماية المكتسبات وتطويرها والانتقال من سياسة دولة متخلفة او سائرة في طريق النمو الى دولة قوية وديموقراطية ومتقدمة تسعى لتكون من الدول العظمى …وإما الاجهاز المتدرج والممنهج على كل شيئ والاندفاع نحو متاهات لم يخرج منها كل من سقط فيها إلا وهو أشد ضعفا وفشلا , فيصبح لعبة في يد اللوبيات العالمية ويرهن الناس والبلد والثروات الى آجال الله أعلم بنهاياتها ..والشرق الاوسط بأم القضايا فيه أي قضية شعبنا الفلسطيني وقدس الاقداس خير شاهد على ما نقول ..
اننا امام ظاهرة ووضع جد مهترئ اصبح يهدد مستقبل الشعوب بدرجات متفاوتة الخطورة ..فهل سنعلن جميعا ثورة ثقافية توعوية متنورة فعلية في المجتمع وعلى رأسه كل النخب في استحضار للمصالح العليا لشعبنا بكل مميزاته وخصوصياته وتنوعه وتكامله لبناء وطن الجميع فيه سواسية أمام القانون وتجاه خيرات البلد والجميع معني بتنميته ..ولا وصاية فيه لحزب على أحزاب و لاتحكم فيه بالمال أو غيره في إرادة الناس ولا وصاية فيه على العقول والافكار الحرة النيرة ..؟؟ أم اننا سنتمادى في جهالاتنا وأنانياتنا ..؟؟
إن المشهد السياسي المغربي يحتاج الى إعادة هيكلة وتحكيم العقل والمنطق في كل شيئ ..ليس بغاية التحكم في الشعب بل من اجل التنافس الشريف والقوي من أجل خدمته واسعاده ..فليتق الجميع الله في هذا الوطن وشعبه …
قال تعالى {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} سورة فاطر
وقال ..(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان )سورة المائدة