لأول مرة يكشف بلاغ لوزارة الداخلية، بخصوص الشبكات الإرهابية، عن مسألة في غاية الأهمية، تتمثل في الإشارة إلى ما أسماه ب «حاضنة أولية للعديد من العناصر المتورطة في قضايا متعلقة بالإرهاب»، دون أن يحدد هوية الحاضنات. غير أن هذا لا ينقص من أهمية الإشارة. لماذا؟
لأن ما تعودنا عليه، في بلاغات وزارة الداخلية، هو التقتير في تقديم المعطيات، حول الأسئلة، التي تظل دون جواب، من قبيل، من هم الممولون لهذه الشبكات، ومن هم الممونون، الذين يوفرون مواد التحضير للقيام بالعمليات الإرهابية، وطرق الاتصال… غير أن الأجهزة الأمنية، في هذه المرة، قطعت نصف الطريق، في حديثها عن الجانب الإيديولوجي والتنظيمي، عندما أثارت موضوع «الجماعات الإسلامية التي شكلت دائما «الحاضنة الأولية» للفكر الإرهابي، أي تلك التي تلعب دور «التنشئة الإيديولوجية»، من أجل توفير الشروط «التربوية»، لميلاد الإرهابي.
العنصر الثاني الذي تحدث عنه بلاغ وزارة الداخلية، هو ما أسماه ب»تقاطع» مشروع «داعش» مع الخلفية الإيديولوجية للعديد من الجماعات الإسلامية، التي تتقاسم مع هذا التنظيم الإرهابي الوحشي، نفس المرجعيات، ونفس الأهداف. المرجعيات المشتركة واضحة، حيث يجمعها المذهب الوهابي، وفكر ابن تيمية، الذي نهلت منه كل ما يسمى بتنظيمات «الإسلام السياسي» في العالم العربي، عامة، وفي المغرب، كذلك.
البلاغ هام من حيث صياغتُه، لأنه تجاوز لغة الخشب، التي عهدناها في وزارة الداخلية، ولدى الأجهزة الأمنية، وتجرأ على إثارة معطيات هامة، يتطلع الرأي العام، إلى الإطلاع عليها، تهم بالخصوص، كيفية تناسل هذه الخلايا، بدءاً من طريقة استقطابها لعناصرها، وكيفية تنشئتها، والمرجعيات التي تعتمد عليها.
وسيكون من المفيد أن تفتح الإمكانيات للباحثين والدارسين والصحافيين، للاطلاع أكثر على كل هذه المعطيات، قصد كشف العناصر التي تتدخل في صناعة الإرهابية والإرهابي، لأن هذه الصناعة تبدأ في الخلية الدعوية الأولى، «المعتدلة»، شكلا، لكن التنشئة تتطور، بالتدريج، من «السلمية»، إلى الجذرية، حيث لا يوجد بينهما سوى خيط رفيع، شكلي، لأن المضمون واحد والحاضنة مشتركة.