يمثل إصدار كتاب (زمن التناوب الثالث) للأستاذ إدريس لشكر مبادرة جسورة في هذه الفترة بالذات والمغرب مقبل على انتخابات 7 أكتوبر كمحطة نضالية بعد ما يعرف بالربيع العربي، تعد سياسيا بكثير من المفاجئات والمسارات المستشرفة لزمن التناوب الثالث.
كما أن أهمية هذا الكتاب منهجيا، تندرج ضمن تقاليد التأليف السياسي المتبع في فرنسا، الذي تفتقد إليه الساحة العمومية المغربية، حيث عرفت منذ مرحلة الاستقلال تكتما صامتا من قبل السياسيين المغاربة، الذين فضلوا عدم التصريح والكشف عن مسارهم السياسي وهذه الظاهرة السياسية هي خاصية مشتركة عند مختلف التقدميين والليبراليين المغاربة. فهم لم يتركوا لنا حتى المذكرات (المهدي بنبركة، عبد الله إبراهيم، عبد الرحيم بوعبيد، علي يعتة، المحجوب بن الصديق) وغيرهم، إذ قورنوا برواد السلفية الوطنية (علال الفاسي تحديدا) الذي كتب في مجالات شتى، يقول المفكر عبد الله العروي في هذا السياق ( إن الليبراليين المغاربة على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الحزبية يبدون باهتين مقابل أقرانهم المشارقة.،……. ليس من قبيل المصادقة إذا رأيناهم لا يخلفون من إنتاج فكري سوى خطب رسمية ومقابلات صحفية، موجهة في الغالب للاستهلاك الخارجي، ص 69 الإيديولوجية ط، II) لقد كان ذ. إدريس لشكر واعيا بطبيعة صنيعه عندما صرح للصحفيين قائلا (لقد حرصت أن أحدث هذا التقليد في المشهد السياسي، مع الأسف، نجد كل الشعوب عند كل استحقاق انتخابي ينزل قادتها للسعي وراء اختطاف المرشحين والسعي وراء الآخرين، ولكن في غياب أي نقاش سواء حول التشخيص للواقع والرؤى والبرامج والأفكار) وهذه مكرمة تحسب لصالح المؤلف ذ. إدريس لشكر.
إن المقترح البديل، الذي يقدمه الكتاب حول (التناوب الثالث) يصنف ضمن ما يسميه نقاد الأدب بكتاب (الأطروحة) المتمثلة في الدعوة إلى (زمن التناوب الثالث) وهو رأي يتوخى صاحبه أن يقدم حلا يسعى من خلاله إلى تحريك النقاش العام حول المشروع النهضوي ببلادنا، يتكلم هذا الكتاب بصيغة الآنا الساردة ولهذا لا يمكنه أن يغفل حقوق الذات على كاتبها، و أن يقدم كشخصية عمومية إضاءات حول مسار تكوينه ومرافعات توضيحية كان في الماضي يتمنع في الرد عليها، تفند تلك الإشاعات المغرضة التي تنسج عنه وعن عائلته من قبل خصومه السياسيين،.
إن هذا الكتاب (زمن التناوب الثالث) ليس سيرة ذاتية بالمعنى الأدبي للكلمة، لأنه يفتقر إلى الصياغة التخييلية، لكن من حيث التطابق بين ضمير المتكلم والمؤلف الموقع على ظهر الغلاف، نجد تعلقا يجمعه مع الذات الكاتبة كنوع من (الميثاق التعاقدي) وتظهر بعض طرائق السيرة الذاتية في هذا الكتاب في الجزء الأول، الذي يتكئ فيه على حنين إلى الماضي واستذكار أحداثه، لكنها سيرة ذاتية لا تطلق العنان لمجال البوح العفوي وإفساح فرص القول أمام الاعترافات الطائشة التي لا تمارس الرقابة على ذاتها، بل إنها تحول فعل الكتابة كمحكي استعادي لسنوات الطفولة وإلى وعي مكمل لإدراك العالم المحيط بالمؤلف، في الوقت الحاضر وخلال مختلف مراحل العمر.
سأحاول في هذه الأوراق، أن أقدم قراءة منحازة تتجاوز أفق الزمن الانتخابي إلى مقاربة جوانية وداخلية تسعى إلى الحفز على تنشيط الحوار الحزبي الذي ينتظرنا.
يمكن تحديد نوع الكتابة في (زمن التناوب الثالث) بأنها قريبة من سيرة (التعلم) أو (التربية) أو (الدربة) أو (التكوين) التي تقوم على سرد التجارب والتحولات الثقافية والاجتماعية والعاطفية التي مر بها بطل شاب، من أجل اكتمال شخصيته وبلوغه مرحلة النضج،من هنا تنطلق سيرة (التعلم)عند ذ،إدريس لشكر من خلال محطات ثلاث:
الأولى، تتمثل في الرغبة في امتهانه لمهنة المحاماة وكان المحفز الشعوري الذي قاده إليها (حملة القمع التي طالت الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في ستينات القرن الماضي، كان عمري حوالي عشر سنوات وبحكم أن والدي كان تاجرا، أصدقاؤه ومعارفه يجتمعون أمام دكانه، يتحادثون ويتبادلون الأخبار وكانت الجريدة هي الوسيلة الإعلامية الرئيسة آنذاك، كانوا مواظبين على قراءة جريدتي (المحرر) و (العلم) وكنت المكلف بقراءتها لهم، قراءة متوسطة على أية حال،لكنها مفيدة لهم ،كانت مليئة بالأسماء، يقاطعونني أحيانا ثم يناقشون لفترة، قبل أن يطلبوا مني الاستمرار وكانت تلك الفترة بمثابة استراحة بالنسبة لي، أقرأ الفقرات اللاحقة استعدادا لتلاوتها عليهم ص15) هذا المعطى الأول يمثل دور العائلة الصغيرة في (التعلم) السياسي للفتى الذي كانه إدريس لشكر (كنت حفظت الأسماء من خلال قراءة الجريدة لأصدقاء المرحوم والدي،أو نتيجة حديثهم الدائم حولهم، اسم واحد كان يتكرر باستمرار وكونت في مخيلتي عنه فكرة من خلال الصور المنشورة في الجريدة. كنت أتصوره شخصا طويل البنية وخطيرا سياسيا ص 16) ثم يضيف كنتيجة توصل إليها (لقد خاب ظني بخصوص الوصف الأول، إذ لم يكن هذا الشخص إلا المهدي بن بركة) نستنتج من هذا التوصيف الذي بالرغم من حدوثه في زمن الطفولة أن المؤلف يتصف بخاصية الندية وإسقاط القداسة عن هؤلاء القادة الحزبيين، عندما سيخيب توقعه نحوهم ولهذا لا يعرف عن إدريس طيلة مساره السياسي تشيعه لفريق أو تيار حزبي ضد آخر. كما أن من (أقنعة التعلم) التي لازمت ذ. إدريس لشكر كخاصية محددة لتكوينه، تتميز في تعامله مع (شيوخه) من المناضلين كمجرد (أشباح) بدون ملامح واضحة، لقد جرت العادة في كتب السيرة الذاتية أن يعمل الكاتب على استحضار شخوص يمثلون بالنسبة له القدوة والنموذج التربوي الذي يحتذى، قد يكون (الزعيم أو الأب أو الأستاذ) كما في سيرة (الأيام) لطه حسين أو (حياتي) لأحمد أمين. لكن ذ. إدريس لشكر عندما يتحدث عن الذين سبقوه أو جابلوه في المجال النضالي الحزبي، فإنه يقدمهم كأشخاص غفل من الوجود الحقيقي، فحتى ‘الأستاذ’ الذي علمه معنى الانتماء الحزبي المناضل (أحمد السويدي) الذي بعد أن ابتعد عن العمل السياسي صار مجرد اسم عابر. أما المناضلون الذين عاشروه في العمل الحزبي فإنه لا يذكر منهم سوى الأموات الذين اصطفاهم الله إلى جواره (كان علينا نحن الطلبة الاتحاديون أن نستعيد الساحة الطلابية، عمل دؤوب، أنشطة وتحركات دائمة، تنقل بين الكليات والمعاهد والمدارس العليا داخل الجامعة الواحدة وأيضا بين المدن الجامعية وكان كل ذلك متزامنا مع الحظر الذي تعرض له الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ساعدنا انسجام الفريق في توسيع نشاطنا، أسماء كثيرة، أشير من بينها إلى بعض ممن غابوا عنا رحمهم الله، المرحوم عبد الله العويسي والمرحوم حسن المديوني والمرحوم الشنفوري وغيرهم كثير ص 18) وذلك حتى تبقى الرؤية إلى المرآة ناصعة لا يزاحمه فيها احد.
لقد كنت معاصرا لإدريس لشكر عندما التحق بالعمل الحزبي، بالرغم أنه كان ما يزال يافعا، فقد انخرط باكرا في الترقي الحزبي، الذي مر منه بليونة وبسرعة فائقة (مناضل تدرج في كل المسؤوليات من القاعدة إلى مسؤولية الكتابة الأولى، ص 33) بعد أن أدى ضريبة النضال (التي كان نصيبي منها الاعتقال والمحاكمة وسنتين حبسا ولم أسترجع حريتي ضمن المجموعات التي شملها العفو الملكي وتكللت مجهوداتنا بعقد المؤتمر الوطني السادس عشر، للاتحاد الوطني لطلبة المغرب ص 18).
لقد عرف عن ذ. إدريس لشكر تفرغه للعمل التنظيمي ولهذا سينتقل من العمل الطلابي إلى الشبابي والجماعي ثم إلى موقع الكاتب الأول للحزب،أي، إلى مرحلة (الرشد) بالمعنى الكانطي،عندما سيخوض تجربة الديمقراطية النموذجية التي انخرط فيها الحزب في المؤتمر التاسع الذي انعقد في نونبر 2012، لقد كانت هذه المبادرة على المستوى الحزبي مبارزة ديمقراطية هي الأولى من نوعها في تاريخ الاتحاد الاشتراكي، حيث قدم كل مرشح برنامجه الانتخابي وعلى أساسها تم انتخاب ذ. إدريس لشكر كاتبا أول (لكن التمرين التنظيمي الديمقراطي الذي اجتزناه كحزب خلال المؤتمر الوطني التاسع باعتماد نظام الترشيحات المتعددة والتصويت على شوطين، أدى إلى نتائج متناقضة، فبقدر ما كان انتخاب الكاتب الأول ديمقراطيا حرا ونزيها بقدر ما كانت النتيجة (غير مرضية) لأطراف أخرى ص 33).
لقد عمل ذ. إدريس لشكر على تقديم دفتر التحملات الذي التزم به أمام المؤتمرين، (لا يمكن لمأسسة الحزب وتجميع العائلة الاتحادية ومد اليد لليسار أن تستقيم إلا بركن رابع يتمثل في الحفاظ على الوحدة الداخلية للحزب لتكون بمثابة النواة الصلبة ،التي يتم إقامة التنظيم على أساسها ص 32)
لقد مثل المؤتمر الحزبي التاسع، عرسا ديمقراطيا بامتياز في مبتدئه، لكن مخرجاته كانت مرتبكة ، بدأ حالما بالشعارات الكبرى، ثم تحول إلى نهايات فاجعة، نتيجة لعملية ‘التجريف’ لتربة الحزب المورقة بالنخب اللامعة و ‘ترييف’ تركيبته الديموغرافية، التي كانت تتكون من الطبقة الوسطى حاملة التنوير والفئات الاجتماعية التي لها مصلحة في التغيير وتعويضها ببدائل لا تمتلك الكفاءة الادائية من أجل ربح الرهان النهضوي الذي ينتظرنا، بعد أن تحول الحزب من مشتل نضالي إلى شتات حزبي لم يعد له عنوان،ومهما كانت الأسباب التنظيمية لذلك،فقد حاول ذ،إدريس لشكر صادقا أن يستميل المثقفين والنخب الحزبية لكي يقوموا بأدوارهم داخل الحزب،عبر تأسيس مؤسسة (المشروع) للدراسات والتكوين، التي بالرغم من قيمتها التاريخية فإنها بصيغتها الحالية ،لم تحل علاقة الحزب (بالخبراء) لأن معضلة الخبراء والنخب عموما، ليست إشكالا تقنويا ينتهي بإيجاد إطار تنظيمي معزول، يسمح للنخب الحزبية بتصريف نشاطها الثقافي،إن المشكل يرتبط بالهيكلة التنظيمية للحزب واحترام تعدد التيارات واختلاف وجهات النظر التي لا تحل إلا بحوار تنظيمي شامل لرأب الصدع الذي يعتري شمل العائلة الاتحادية وأن تبادر قيادة الحزب إلى مد يدها إلى جميع الحساسيات الحزبية من أبناء العائلة الاتحادية الكبرى، قبل أن تتوجه مشكورة إلى توحيد الذات اليسارية، لكن أن تبدأ بعتبة الدار قيل الأغيار وأن تنسى فيما يستقبل من الزمن، شعار (أرض الله واسعة) إلى الأبد، وأن نطرب مع (ناس الغيوان ) بترديد قولهم الجميل( قلال، قلال حنا، واش فينا ما يتقسم ) وأن نعقد في المستقيل القريب لهذا الغرض، ندوة وطنية يكون شعارها (الاتحاد الاشتراكي بيتنا) لأن ما ينتظرنا من مهام، يقتضي إشراك جميع الطاقات الحزبية الفاعلة، وأن ندشن من جديد ، كما فعلنا في المؤتمر التاسع، تقليد الاعتراف بتعدد التيارات، لأن في اختلافهم رحمة،لكن داخل سقف لا يتجاوز ركن المنزل الواحد،
في سياق الحديث عن البعد الوحدوي ومن أجل تحصين الذات ،أشار إلى هذه الملاحظة ذ، إدريس الشكر بمرارة تشبه الزفرة (استغربت لعملية التبخيس التي مست كرامة مناضلات ومناضلين، أوصلهم عملهم النضالي إلى عضوية المؤتمر، ليجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها ينعتون بأنهم مجرد كائنات انتخابية) لكني ( لم أسقط في الفخ رغم الهجوم المنتظم على نتائج الاقتراع، التزمت عدم الرد ص، 33)وحول حالة الانشقاق التي عرفها الحزب كحادثة سير كبرى،فقد أجمع الحكماء من مناضلي حزبنا أن الانشقاق يعتبر خطا أحمر، لكن مع ذلك حدث ما لا يحمد عقباه، وهذه الخطيئة التي ابتلي بها حزب الاتحاد الاشتراكي، تحتاج إلى مدارسة سوسيولجية ، لقد تعرض حزب الاتحاد منذ النشأة للانشقاق، بمعدل إنشقاق عند كل مؤتمرين في تاريخه، وهذه ظاهرة لا تخضع لنواميس التاريخ، استفرد بها حزب الإتحاد الاشتراكي وحيدا في تاريخ المغرب المعاصر، حتى صار الانشقاق في تلازم لصيق مع حزب القوات الشعبية،
لكن تجدر الإشارة،أن ظاهرة الانشقاق الاتحادية، كان حدثا مقبولا وضرورة حتمية في إبانها سنة 1959مما أدى إلى انبثاق حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،بعد ذلك،توالت الانشقاقات وبالرغم من صدق نوايا أصحابها وحسن سريرتهم،فإن تكرارها تحول إلى ترف فكري ليس إلا، وصارت مع الأيام كل التوترات التنظيمية بالرغم من مقصديتها النبيلة، مجرد تكرار للخطيئة الأولى، التي تؤخر مسار اليسار عموما إلى الوصول إلى مواقع الريادة ، كي يحقق مبتغاه ومراده في الهيمنة الإيديولوجية من أجل ذلك الهدفالأمثل، لكن علينا أن تقطع مع فكرة الانشقاق إلى الأبد،
لهذا اقترح على مؤتمرات الحزب المقبلة، بعد توحيد الأسرة الاتحادية العمل على ‘تحريم’ خطيئة الانشقاق و’تجريم’ العمل بها داخل الممارسة الاتحادية، وأن يكون ذلك ضمن ميثاق الشرف، يجمع عليه كل الغيورين الحزبيين،
سأنتقل مباشرة إلى المحور الأخير من الكتاب،المتمثل في أطروحة (التناوب الثالث) وإن كنت متحفظا على تسمية التناوب الثاني، لأني أومن صادقا أن التناوب الثاني لم يحدث أبدا، وغير موجود على مستوى أجندة الزمن السياسي، لأن التناوب الأول الذي قاده أخونا ذ، عبد الرحمن اليوسفي يمثل توافقا بين إرادتين، أدى إلى الوصول إلى تناوب هو نتاج لصيرورة من التجاذبات والتوترات التي أفضت إلى زمن تصالح فيه المغاربة مع التاريخ ومع ذواتهم وفيما بينهم، من أجل إنقاذ المغرب من (السكتة القلبية)، لقد كانت للحكومات السابقة ومنذ حكومة التناوب الأول شعارات تنموية كبرى، تتفرع عنها أوراش جديدة،(ارتبطت حكومة ذ،عبد الرحمن اليوسفي،بالورش السياسي وحكومة إدريس جطو بالورش الاقتصادي ولاحظنا أنه من خلال المسارات الإصلاحية تم وضع البلاد على سكة المشاريع الهيكلية،وفق مخططات إستراتيجية ، لم يمنع تعاقب الحكومات من استمرارية تطبيق هذه المخططات لما لها من أهمية في ضمان تنمية متصاعدة ومستدامة ص.123)
لو أن هذه الوتيرة التي أطلقها التناوب التوافقي الأول بقيادة ذ،عبد الرحمن اليوسفي، استمرت في مسارها طيلة ولاية ‘البجيديين’ لكان المغرب اليوم في عداد الدول البازغة Emergente أو على شاكلة دول منظمة (أسيام) المتقدمة،
أما حكومة بنكيران فقد جاءت في ظرف مثالي تحسد عليه ،فهي مجرد مصادفة تاريخية أتى بها (حراك فبراير) الذي لم يشارك فيه مناضلو وأبناء بنكيران أو يساهموا في وضع أو ترديد شعاراته،التي تنتمي في أغلبها إلى قاموس اليسار وكانت ترفع في عقدي السبعينات والثمانينات، بعد أن روجت لها آنذاك أحزاب اليسار،
إن هذه الحكومة مجرد دورة كرنولوجية ليس إلا، والدليل على ذلك، أن ولايتها الفريدة، لم يعرف عنها أنها فتحت ورشا واحدا ،إنها المقابل المضاد لإنجازات حكومة الانتقال الأول، لأنها مجرد دورة فلكبة فارغة ،أو شكل بدون محتوى أو مضمون،أو رغبة في الصلاح على شكل ارتدادي إلى الوراء عن كل المكاسب التي حققتها حكومة التناوب وماقبلها، لهذا كل ‘الإصلاحات’ التي دعت إليها حكومة بنكيران، بالنسبة لنظام التقاعد (اختارت الحكومة الحل الأسهل والأسود) أما عند إصلاح التعليم فإنها أدخلت ( البلاد في حالة من الانتظارية لنتائج مداولات المجلس الأعلى للتربية و التعليم والتكوين ) وذلك ما سيؤدي إلى ( تضييق الخناق على المدرسة العمومية والجامعة العمومية وإطلاق يد القطاع الخاص .ص125.)أما بالنسبة لمبدإ (الديمقراطية التشاركية) التي نص عليها الدستور فقد كان ( ورش الحوار الوطني حول الأدوار الدستورية للمجتمع المدني ورشا شكليا ولا أدل على ذلك من مقاطعة أهم الجمعيات والمنظمات غبر الحكومية الجادة لأشغاله وإطلاقها لحوار وطني مواز.ص،126 ) وحتى ورش الفساد الذي أعتبره الحزب الحاكم ‘حصان طروادة’ أو حائط مبكى لمزايداته الاشهارية ،فقد تخلى عنه برفعه للراية البيضاء التي كتب على واجهتها (عفا الله عما سلف)
لكن ما تبقى أمام أصحاب ‘التناوب الثاني’ تجاوزا، هو اللجوء إلى الخطاب الدعوي عن طريق توظيف مبدإ ‘التقية ‘الذي يعمل على تشفير الإرساليات السرية بأسلوب تبسيطي يعتمد على قاموس ترميزي يتبنى أسماء الحيوانات واستعمال الترهيب والترغيب كمسافة للحكم على قرب أو بعد الآخرين عن الإسلام كما يرونه ،وذلك على هدي وسيرة التعاليم التي وضع إستراتيجيتها الأولى (عبد الله السندي) مؤسس ‘التنظيم السري’ للإخوان المسلمين في عقد الأربعينات من القرن الماضي ، الذي حلل الكذب كتقية خدمة لمصلحة التنظيم ، لذلك ،نظرا لضعف خبرتهم واعتمادهم على الإيديولوجية الدعوية ، فوت ‘البجيديون’ عندما كانوا في الحكومة أكبر فرصة على البلاد،هي توظيق الاستثمار بطريقة عقلانية، نظرا ( لنعمة الاستقرار و الأمن،نعمة تحسدنا الكثير من المجتمعات عليها و الاستثمار هنا أيضا لا بمكن أن يختار مجتمعات تسودها الفوضى وانعدام الأمن،……. ومرة أخرى لولا السياسة الملكية بهذا الخصوص، لما كان هناك استثمار أجنبي بالمغرب،ص،129 )
إن الغاية من تقديم هذا الكتاب الهام ،أن أثير أسئلة تشغل بال الاتحاديين والاتحاديات والرأي العام،أعرف منذ البداية أنها لن تروق البعض،لكن فقط أردت أن أفوز بأجر التحفيز على الحوار الهادف بين العائلة الاتحادية أولا، وتجميع الذات اليسارية،