من أخطر السياسات التي نهجتها حكومة عبد الإله بنكيران، الإجهازُ على المكتسبات التي تمكنت الحكومات السابقة، من الحفاظ عليها، حتى لا تمس بالتوازن الاجتماعي الهش. غير أن الحكومة المنتهية ولايتها، أبت إلا أن ترهن مستقبل المغرب، برضوخها التام لتعليمات البنك الدولي، سالكة طريقا خطيراً، لن تكون مسالكه سليمة.
و من المعلوم أن المؤسسات التمويلية الدولية، تتوفر على دفتر تحملات، جاهز، وصالح في كل زمان ومكان، يتمحور حول الحد من دور الدولة والقطاع العام في التدخل لدعم أوضاع الفئات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة، عن طريق القضاء على صندوق المقاصة الذي يدعم المواد الاستهلاكية الأساسية، والتقليص الكبير في توفير نسبة محترمة من مناصب الشغل، بهدف الوصول إلى معدل منخفض في كتلة أجور الموظفين لدى الدولة، وتخفيض مختلف النفقات العمومية، ذات الطابع الاجتماعي، وغيرها من السياسات، التي تدفع نحو تخلي الدولة تدريجيا عن التزاماتها تجاه المجتمع.
وقد نفذ بنكيران، بكل انضباط هذه التوجيهات، وزاد عليها ما سماه ب»إصلاح التقاعد»، فضلا عن رفع الضرائب وغيرها من الإجراءات اليمينية، من قبِيل فتح الباب أمام الخواص، في عدة مجالات، كانت محصورة، سابقا، في القطاع العمومي…
النتيجة الحالية، لهذه السياسة، المملاة، من المؤسسات التمويلية الدولية، وخاصة البنك الدولي، هي أن مستقبل الأجيال القادمة أصبح محاصرا بمعدل المديونية الخارجية، التي وصلت إلى معدلات مخيفة، لها آثار وخيمة على كل السياسات العمومية، و من شأنها الحد كثيرا من هامش التحرك، لأي حكومة في المستقبل. غير أن الوجه الآخر، الذي يهم المواطن، في حياته اليومية، يتمثل في الانعكاسات الوخيمة، على مستوى معيشته، من غلاء وتجميد للأجور وزيادات متوالية في مختلف أنواع الضرائب، علاوة على الارتفاع المتواصل في معدلات البطالة…
الغريب، هو التأمل في الأجوبة التي يقدمها بنكيران وصحبه، عن هذه السياسات اللاشعبية، حيث يعتبرون أنهم عالجوا مشاكل المجتمع بمنحة الأرامل وبعض الزيادة في منحة الطلبة، ونظام المساعدة الطبية، الذي يتجه نحو الأزمة.
هذا المنطق طبيعي في مقاربة ما يسمى ب»الإسلام السياسي»، للتعامل مع المجتمع، حيث يتبنى سياسة يمينية، على مختلف المستويات، ويغطيها، بالمقابل، بخطاب أبوي/طبقي، حول مساعدة الفقراء والإحسان إليهم، لنيل الأجر والثواب.