هناك مسؤولية جماعية، ملقاة على عاتق المواطنين، خاصة النخبة المثقفة والفئات المتنورة، التي ينبغي أن تساهم في إيقاف مسلسل الإجهاز على كل المكتسبات التي تحققت، رغم محدوديتها، خاصة على مستوى الحريات الفردية و أسلوب العيش والسلوك، في المظهر واللباس والتصرف الشخصي في الحياة الخاصة، بالإضافة إلى كل ما يتهدد التقدم الحاصل في مجالات متعددة، خاصة حقوق النساء وكل المبادئ المتقدمة الواردة في الدستور…
التهديد يطال أيضا حرية الفكر والتطور الثقافي، وهي عناصر تعتبر من أهم مقومات التفوق الحضاري، لأن التخلف الفكري والانغلاق وتجميد العقل، أدى باستمرار إلى الانحطاط.
لقد عشنا خلال الخمس سنوات وضعا استثنائيا في المغرب، حيث حصل تشجيع لمهاجمة الفتيات، من طرف الدهماء، في الشارع العام، بسبب لباسهن، وكان لوزيرا، إسمه الحبيب الشوباني، قصب السبق في مثل هذه الممارسات، عندما هاجم صحافية في البرلمان، لأنها كانت تلبس تنورة عادية.
لن نعود لحكاية هذا الوزير السابق، وكيف غادر الحكومة. ما يهمنا هو النموذج المجتمعي الذي يدفع نحوه هؤلاء، لتكريس النفاق الاجتماعي، كعملة سائدة، هدفها هيمنة نظام كهنوتي/سياسي، غير جديد على المجموعات البشرية، لكنه كان وبالا على الشعوب التي أصابها.
وحتى لا نعود للتاريخ، لدينا أمثلة معاصرة، فيما تعيشه اليوم بلدان عربية، مثل سوريا والعراق وليبيا، بشكل تراجيدي، وبلدان أخرى عربية، بدرجة أقل، حيث تحولت كل جماعات «الإسلام السياسي»، في سرعة البرق، من الدعوة ب»التي هي أحسن»، إلى تشكيل منظمات إرهابية، قتلت المئات وشردت الآلاف ومزقت وحدة البلدان ودمرت العمران.
لم يكن أحد يتصور أن الوضع في هذه البلدان سينهار بهذا الشكل، و كانت هناك قوى متربصة، تنتظر فرصتها السانحة، لتمويل وتسليح وتدريب هذه الجماعات الإرهابية، وتوفر لها الدعم اللوجيستيكي والمخابراتي والإعلامي.
لابد من التأمل في هذه النماذج، لاستيعاب الخطر الذي يهدد بلادنا، حيث يحصل التساهل مع الإيديولوجية المتشددة والدعوات التكفيرية، التي تجد الدعم من كل تيارات الإسلام السياسي، لا فرق بينها، عند «المعتدل» و»الجذري» و»المتطرف».
كلهم في فلك الرجعية يسبحون، خيط الانتقال من «الاعتدال» إلى التطرّف، رفيع، لأنهم ينهلون من نفس القاموس ونفس الناموس، أي من نفس المرجعية المتخلفة والظلامية والجهادية، في تأويلهم للنصوص الدينية.