يعد قطاع التربية والتكوين من الرافعات الكبرى لمشاريع التنمية البشرية وتأهيل الاقتصاد الوطني في عصر متميز برهانات العولمة والتحديات المعرفية والتكنولوجية الحديثة ،إذ لا يمكن أن يتحقق التقدم المنشود للبلد إلا من خلال إنجاز الإصلاحات التربوية والتعليمية ، وتأهيل المدرسة والجامعة لخوض غمار التنافسية التي تفرض نفسها باعتبارها معرفة وخبرة ، ولكننا في المغرب اليوم يعيش قطاع التربية والتعليم على وقع خطاب الأزمة التي ترخي بظلالها على جميع مفاصل منظومة التربية والتكوين، مما يجعل هذا القطاع في مفترق الطرق، ويطرح أمامه بإلحاح مسألة الإصلاح التربوي الذي يعتبر في الوقت الراهن مطلبا مجتمعيا آنيا ومستعجلا فشلت الحكومة الحالية خلال ولايتها في تفعيل برنامجها الحكومي في قطاع التعليم و تفعيل توصيات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح واستثمار المكتسبات .
رفع حزب العدالة والتنمية قبل انتخابات سنة 2011شعارات مغرية لاستمالة الناخبين مدعيا من خلالها انه سينطلق ، إذا تحمل مسؤولية الحكم ،مما هو أخلاقي لمحاربة الفساد الإداري والمالي و الريع الاقتصادي وتدعيم الطبقات الفقيرة والمتوسطة بمحاربة الهشاشة والفقر والبطالة والعمل على تنمية العالم القروي وإصلاح منظومة التربية والتكوين وغيرها من الخطابات والأحلام التي كان يرددها الحزب في كل المناسبات…ولكن أوهام حصيلة برامج حكومة بنكيران في مختلف القطاعات ومن بينها قطاع التعليم لم تكن في مستوى انتظارات الشعب المغربي بعد انصرام خمس سنوات من ولاية الحكومة ومن عمر الشعب الذي كان ينتظرا لوفاء بالتعهدات و تحقيق شعاراته السياسية خاصة وان رئيس الحكومة في ظل الدستور الجديد لديه جميع الصلاحيات الدستورية والقانونية لتفعيل برامجه الانتخابية وتنزيلها على ارض الواقع.
ففي قطاع التعليم لم تف حكومة بنكيران بوعودها لإصلاح منظومة التربية والتكوين انطلاقا برنامج العمل 2013 /2016 الذي التزمت به الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية في بداية ولايتها، و ظل مجرد نوايا للإصلاح و صورة مصغرة للبرنامج الاستعجالي الذي أتبث فشله في تحقيق طفرة نوعية للمنظومة التعليمية، والذي ألغته الحكومة وقام برنامجها على دعائمه الأربعة وهي تعميم التمدرس والقطب البيداغوجي والموارد البشرية والحكامة وأضيفت إليه المؤسسة التعليمية باعتبارها مجالا قائما بذاته تمنح لها سلطة فعلية في القرار واستقلالية فاعلة في التدبير وتوفر لها الوسائل الضرورية والمؤهلات المناسبة للاضطلاع بمهامها وأدوارها التربوية،.إلا أن أهداف هذا البرنامج الحكومي المعلن عنها في قطاع التعليم لم تتحقق وعرف قطاع التعليم تدهورا خطيرا في عهد هذه الحكومة غطى على المكتسبات التي راكمها القطاع انطلاقا من البرامج الإصلاحية السابقة ،و عجزت الحكومة عن إصلاح قطاع التربية والتكوين في ظل تفاقم الاختلالات وعرقلة برامج الإصلاح ..وعوض أن تعمل الحكومة تماشيا مع الخطب الملكية التي تدعو إلى إصلاح التعليم العمومي ،على تنفيذ البرنامج الحكومي القطاعي بإرادة سياسية حقيقية لإصلاح منظومة التربية والتكوين تتجه الحكومة لدعم التعليم الخصوصي على حساب التعليم العمومي مما يعني انهيار المدرسة العمومية التي أنجبت الكفاءات والمواهب والمبدعين والفنانين والأدباء والعلماء ونساء ورجال الدولة منذ استقلال المغرب إلى الوقت الراهن.
في هذه المرحلة لم يدخل الإصلاح المدرسة المغربية ولم تفعل التدابير التي نص عليها البرنامج الحكومي من قبيل مراجعة المناهج والبرامج الدراسية التي تجاوزت عمرها الافتراضي ولم تعد تساير المستجدات والحسم في إشكالية لغات التدريس وتحقيق استقلالية المؤسسة التعليمية ،وربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة الفساد الاداري والمالي،والتربية على القيم ،مما فاقم من الاختلالات البنيوية التي تعاني منها منظومتنا التربوية كالهدر المدرسي و اكتظاظ الأقسام والخصاص المهول في الأساتذة والإداريين والمفتشين سيصل ذروته عند انطلاق الموسم الدراسي الحالي بسبب التقاعد الكلي والنسبي(12 الف متقاعدو15 الف تقاعد نسبي/الخصاص اكثر من 20الف منصب) وحياة مدرسية جامدة يخترقها العنف والتدمير والتطرف ويعبث بمرتاديها منحرفون جعلوا من محيطها سوقا لترويج أنواع المخدرات .
أما الوسط القروي فيكاد يختزل عمق أزمة التعليم الوطني بسبب ضعف المردودية الداخلية للمدرسة الابتدائية بالوسط القروي، بالإضافة إلى ضعف فظيع في ما يتعلق بتحكم المتعلمين في المعارف والمهارات الأساسية، وتحديدا القراءة والكتابة والحساب، ما يفضي مباشرة إلى الفشل الدراسي فالانقطاع المبكر عن الدراسة بسبب غياب شروط التمدرس من بنيات تحتية وتجهيزات ضرورية ومرافق خدماتية وخصاص في الأطر التربوية وانتشار الأقسام المشتركة وعدم توفر وسائل النقل المدرسي باستثناء ما توفره المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومبادرات بعض جمعيات المجتمع المدني.
ويرتبط تردي هذا الوضع التعليمي بواقع العالم القروي والمناطق الجبلية الذي يتطلب تنفيذ سياسة تنموية هادفة تستهدف الأبعاد البشرية والاجتماعية والاقتصادية وفق مقاربة إدماجية تستحضر تدخل مختلف القطاعات وهذا مالم يتواصل تنفيذه وتحققه في ولاية الحكومة الحالية .
ويستفاد من تقرير حكومي يرسم صورة مقلقة للتعليم في عهد الحكومة الحالية أن وصفة أخرى لعلاج علل التعليم بالمغرب قد باءت بالفشل في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، حسب وثيقة حكومية، فقد أعدت وزارة التربية الوطنية تقريرا حول إنجاز البرنامج الحكومي خلال الفترة 2013-2016، يكشف أن العديد من مؤشرات القطاع مازالت سلبية، ومن أبرزها الانقطاع عن الدراسة الذي تفاقم بشكل مقلق، إذ تبين أنه بين الموسمين 2011-2012 و2014-2015، سجلت نسبة الانقطاع ارتفاعا على الخصوص في التعليم الثانوي الإعدادي، حيث انتقلت من 10.4 في المائة إلى 12.2 في المائة.
كما أظهر التقرير أن نسبة التلاميذ الذين أنهوا سلك التعليم بين الموسمين 2011-2012 و2014-2015، تراجعت في ما يخص سلكي التعليم الإلزامي (الابتدائي والثانوي الإعدادي)، من 37.5 في المائة إلى 30 في المائة، مقابل تحسن طفيف بالنسبة إلى التعليم الابتدائي وحده من 86.2 في المائة إلى 87.2 في المائة.
ورغم التحسن الذي شهده تمدرس الإناث عموما، فإن التقرير يقف عند تعثر استفادتهن من تعميم التعليم الأولي خاصة في العالم القروي، وذلك بالرغم من التطور الإيجابي لنسبة التمدرس العامة في هذا المستوى ما بين موسمي 2011-2012، و2014-2015. أما في ما يتعلق بنسبة الانقطاع عن الدراسة بالنسبة إلى الإناث، فإنها مازالت مرتفعة، حيث بلغت بالتعليم الثانوي-الإعدادي والتعليم الثانوي-التأهيلي 12.2 في المائة سنة 2014-2015، وقاربت 9 في المائة بالتعليم الثانوي-التأهيلي، مقابل تحسن طفيف في التعليم الابتدائي من 3.2 في المائة إلى 2.9 في المائة.
هناك اليوم إجماع على تفاقم أزمة التعليم في كل المستويات في ظل الحكومة الحالية وهناك إجماع أيضا على تفاقم أزمة منظومتنا التربوية سواء من قبل النقابات التعليمية أو جمعيات المجتمع المدني أو الفاعلين التربويين. وقد سبق أن نبه الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى 20 غشت2013 الحكومة في منتصف ولايتها لتردي أوضاع التعليم ببلادنا مشيرا إلى أن الوضع الحالي للتعليم أصبح أكثر سوءا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة ،داعيا إلى إجراء تقويم موضوعي لتحديد مكامن الضعف والاختلالات كما ذكر بأهمية الميثاق الوطني للتربية والتكوين ودور الحكومات السابقة في تفعيل مقتضياته وتسخير الإمكانات والوسائل الضرورية للبرنامج الاستعجالي ، ولكن الخطاب سجل أيضا عدم استثمار التراكمات الإيجابية والتراجع عن تجديد المناهج التربوية وبرنامج التعليم الأولي منتقدا غياب الاستمرارية في الإصلاح ، ورافضا إقحام القطاع التربوي في الصراعات السياسية مؤكدا ضرورة وضعه في إطاره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للاندماج في التنمية.
وقد دفع هذا النقد القاسي للحكومة التي حملها مسؤولية تردي الأوضاع التعليمية وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني إلى وضع برنامج عمل قطاعي تم التركيز فيه على التدابير ذات الأولوية للإصلاح التعليمي استجابة لأفق الإصلاح الذي حدد خطوطه العريضة الخطاب الملكي، ومن أبرز مستجدات التدابير ذات الأولوية في الإصلاح بالنسبة للوزارة الوصية:
* وضع منهاج جديد للسنوات الأربع الأولى من التعليم الابتدائي، مع تخفيف البرامج خلال السنوات الأربع الأولى؛
* تنويع المسارات ودعم التمكن من اللغات الأجنبية عبر تدريس بعض المواد خاصة العلمية منها من خلال مواصلة فتح أقسام للمسالك الدولية للبكالوريا بغالبية المؤسسات التعليمية العمومية؛
* دمج التعليم العام والتكوين المهني وتثمين التكوين المهني من خلال تحسيس التلاميذ منذ التعليم الابتدائي وإرساء سلك من ثلاث سنوات في الإعدادي يرتكز على التكوين المزدوج(التعليم العام والتكوين المهني)وإحداث عرض تكويني على مستوى الثانوي التأهيلي يهيئ لمهن مطلوبة في سوق الشغل من خلال تحضير برامج تكوينية تجمع بين التعليم العام والتكوين المهني والتطبيق الفعلي بالمقاولات، مع إحداث شعب البكالوريا المهنية، وملاءمة العرض المدرسي لمتطلبات الشركاء الاقتصاديين؛
* مراجعة النظام الأساس الحالي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية في إطار حكامة تدبير الموارد البشرية؛
* تخليق المدرسة وتأهيلها بكيفية تمكنها من ترسيخ القيم والتربية على حقوق الإنسان و الارتقاء بالقيم إلى مستوى القناعة الفعلية المؤطرة للممارسات الفردية والجماعية لدى الناشئة.
وحسب وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، فإن هذه التدابير ذات الأولوية تكتسي صبغة آنية سيتم اعتمادها إلى جانب التقرير الاستراتيجي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لبناء رؤية مستقبلية 2030 .و لكن يلاحظ أن التدابير الإصلاحية المعلن عنها، وإن كانت تحيل على الميثاق الوطني للتربية والتكوين و البرنامج الاستعجالي،فإن وزارة التربية الوطنية حاولت أن تلائم هذه التدابير مع الرؤية الاسترتيجية لإصلاح التعليم (2015/ 2030) التي وضعها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وان تبحث لها عن أوجه الالتقاء في حين ان المخول له دستوريا وضع خطة استراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين هو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أما قطاع وزارة التربية الوطنية فيتولى تدبير المنظومة، و تفعيل توصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
إن ما تم انجازه في هذه المرحلة هو إحداث المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بصيغته الجديدة واختصاصاته وفق مقتضيات الدستور الجديد (2011).وقد وجد المجلس نفسه في البداية مضطرا للاشتغال في البداية على انجاز تقرير تقييمي حول تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين ما بين 2000 و2013 ابرز من خلاله المكتسبات التي حققتها المنظومة، وفي مقدمتها التعميم شبه التام للتعليم وتقليص التفاوتات في الولوج إلى الدراسة والوقوف على الاختلالات التي ما تزال تحول دون تحقيق الأهداف المتوخاة، والمتمثلة على الخصوص في ظاهرتي الهدر والانقطاع المدرسيين، علاوة على استكشاف التحديات التي يتعين على المنظومة التربوية رفعها في أفق تأهيلها وتجديدها. وباعتماد المقاربة التشاركية والتشاورية التي نهجها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تم اعداد الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية (2015-2030) التي تضمنت عدة رافعات استراتيجية للتجديد تتمثل رهاناتها الكبرى في ترسيخ مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص ومدرسة الجودة للجميع والارتقاء الفردي والمجتمع مع الدعوة إلى وضع القانون الإطار للرؤية الاستراتيجية للإصلاح باختياراتها وتوجهاتها، يشكل تعاقدا وطنيا يلزم الجميع بتفعيل مقتضياته بصرف النظر عن الزمن السياسي لتدبير الحكومات المتعاقبة.
وقد أكد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، رشيد بلمختار في أكثر من مناسبة أن هذه الرؤية تميز مرحلة جديدة في مسلسل إصلاح منظومة التربية الوطنية، وجدد التزام وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني من أجل التفعيل الأمثل لتوصيات تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي مؤكدا استعداد وزارته للعمل من أجل تقويم الاختلالات وبناء مدرسة مغربية في مستوى انتظارات وتطلعات المغرب،كما أن رئس الحكومة بنكيران صرح بذلك شخصيا خلال اجتماعه بمديري الأكاديميات والنواب الجدد لوزارة التربية الوطنية أن إصلاح التعليم يعتبر من الأولويات الأساسية والحقيقية لأي خطوة إصلاحية.وأشار إلى أهمية ثلاثة عناصر اعتبرها أساسية في تدبير ناجع لشؤون القطاع : إعطاء الصلاحيات وتوفير الإمكانيات ووسائل العمل واتخاذ القرارات الصائبة التي من شأنها ضمان إصلاح المنظومة التربوية. وعبر ابن كيران عن استعداد الحكومة لدعم مجهودات الوزارة والتعاون معها من أجل معالجة تلك الاختلالات التي كان وزير التربية الوطنية قد وقف عليها ، على أمل أن تساهم هذه المعالجة في تقويمها بما يخدم تنمية البلاد. لكن هذه التصريحات لم ترق لمستوى الفعل والشروع في تفعيل توصيات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح بهدف تحقيق النهوض بالقطاع ومعالجة الاختلالات البنيوية التي تعرقل إصلاح منظومة التربية والتكوين، وإنما عرفت ولاية الحكومة الحالية صراعا مكشوفا بين رئس الحكومة ووزير التربية الوطنية خاصة حول الإشكالية اللغوية ، كما عرفت تراجعا عن المكتسبات في قطاع التعليم ،والترويج لإصلاحات سطحية وترقيعية وإصدار قرارات خاطئة ومستعجلة أضرت بالأوضاع المادية والاجتماعية للأطر التربوية والإدارية ودفعت ببعضهم إلى هروب جماعي من قطاع التعليم ( قوانين التقاعد)، كما عرفت المنظومة التربوية تأخرا في إصدار القوانين التنظيمية للامازيغية وتأخرا في إصدار القانون الإطار الذي يجسد الرؤية الاستراتيجية للإصلاح ،والقانون الأساس لموظفي التعليم وعدم الشروع في مراجعة المناهج والبرامج الدراسية.وبالرغم من الخصاص المهول والهيكلي في الأطر التربوية والإدارية بقطاع التعليم أصدرت الحكومة مرسومين للفصل بين التكوين والتوظيف وتنصلت من التزاماتها تجاه 10الف إطار تربوي والذين أنفقت عليهم الحكومة ميزانية للتكوين وإعدادهم للعمل في القطاعين الخاص والعام.وهكذا يتضح من خلال المؤشرات السابقة قصور الحكومة الحالية في إصلاح التعليم في ظل نتائج تقارير وطنية ودولية تقر بإخفاقات التعليم في المغرب وترتبه في أسفل الترتيب .
وبدلا من أن يعترف بنكيران بمسؤولية الحكومة في تأخير الإصلاح وتفاقم أزمة التعليم اتهم أطرافا فاعلة في المنظومة وشريكة في الإصلاح بتقصيرها في العمل وسلبيتها تجاه الإصلاح ، حيث صرح بأن قطاع التعليم بالمغرب ورغم جميع محاولات الإصلاح ما يزال في تراجع ملحوظ و اعتبر أن الدولة لن تتمكن وتنجح في إصلاح التعليم ما لم يحمل المعلم والأستاذ والمدير والمفتش والمعيد وغيرهم من نساء ورجال القطاع «هم الإصلاح»، مشيرا إلى أن دور النقابة ينحصر فقط في المطالبة بالمزيد من المكاسب.منتقدا مفتشي التعليم بالقول: «عندما تطلب الدولة من المفتشين وثيقة أو مذكرة عن العمل الذي يقومون به، يردون بإضراب أو وقفة احتجاجية»، مشيرا إلى أن الجميع «يطالب ولا يضحي».على حد تعبيره.
وحول إخفاقات الحكومة في إصلاح التعليم وتردي الأوضاع التعليمية والتربوية في عهدها حمل التقرير السنوي لبنك المغرب، والذي قدمه مؤخرا والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري إلى الملك محمد السادس، العديد من الانتقادات للعراقيل التي تقف دون بلوغ المغرب مستوى مرتفع من النمو الاقتصادي، وركز التقرير على أهمية التعليم والتكوين في تحسين الوضع الاقتصادي.
وانتقد التقرير التأخر الذي يطال إصلاح منظومة التعليم، وطالب بالتعجيل بهذا الملف «والجميع مدعو للمساهمة في تنفيذ وتحقيق الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم». وحذر البنك من أن المستوى الحالي للنظام التعليمي في المغرب سيؤدي إلى خسائر مادية «جسيمة في الرأسمال البشري، فجزء كبير من شبابنا، ولاسيما النساء، يعاني من أشكال متعددة من الإقصاء، وحوالي ثلث الشباب لا يوجدون لا في وضعية تشغيل ولا تمدرس ولا تكوين».
وبلغة منتقدة، أكد بنك المغرب أن الشباب يعاني من «قدر كبير من الإقصاء»، وتزداد وضعيته صعوبة مع «القصور في المنظومة التربوية التي تفضي إلى ضعف جودة التشغيل».
لقد اقتصر عمل الحكومة الحالية على تدبير الأزمة دون إيجاد حلول فعلية وجذرية لمشاكل التعليم انطلاقا من برامج العمل وتوصيات الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم ومرت خمس سنوات بدون إصلاح أو تقدم في مسا ر الإصلاح بل نسجل تراجعا للمنظومة وترديا في جودة التعليم وفشلا على مستوى التنشئة الاجتماعية والتربية على القيم .
وهذه الوضعية المتردية للتعليم في ظل الحكومة الحالية والنتائج الكارثية التي وصل اليها ستطرح على الحكومة المقبلة تدارك هذا التأخر في الإصلاح و إرساء ثقافة حكومية جديدة في مقاربة قضايا التربية والتكوين بإرادة سياسية حقيقية تضع حدا نهائيا لغلبة النزعة القطاعية التي تقلص من عطاءاته ومردود يته ، واعتماد المقاربة الشمولية المندمجة باعتبار أن قضايا التربية والتكوين قضايا متداخلة الأبعاد تهم عموديا وأفقيا كل القطاعات ولا يمكن أن تعالج من منظور قطاعي أو تقني أو مالي صرف ،كما تستدعي في نظري وضع الإصلاح ضمن تصور استراتيجي عام لمعالجة الاختلالات الهيكلية التي يعرفها المغرب ،وذلك في إطار حكامة جيدة شاملة تعتمد مبادئ المشاركة والشفافية والمساءلة لإنجاح الإصلاح التربوي والتعليمي ببلادنا وإنزال المسألة التعليمية منزلة الصدارة في جدول أعمال الدولة والأحزاب والنقابات والجمعيات المهنية واعتبارها أولوية وطنية بعد الوحدة الترابية،والانطلاق في إصلاح التعليم من أسئلة جديدة تراعي مقتضيات العصر وفق رؤية مندمجة تستجيب لحاجات التنمية الاقتصادية، وتعزز قيم المواطنة والعقل والحرية وتستشرف ولوج مجتمع الحداثة والمعرفة.
*باحث تربوي
شتنبر 2016