*تغريدات لفضيلة الشيخ “حسن بن فرحان المالكي”
قام بجمعها “محمد كيال العكاوي”
كثير من الأخوة يسألون عن ذلك الأثر الذي رواه نعيم بن حماد عن الإمام علي في وصف (أصحاب الدولة):
هل هو صحيح؟
والإسناد إسناد حسن – بالقرائن – لاسيما مع تصديق الواقع له، ثم هو أثر في الملاحم وليس حديثاً في التشريع، فالأثر صحيح (إن شاء الله)، وسنفصل قليلاً:
النص في كتاب الفتن لنعيم بن حماد:
[حدثنا الوليد ورشدين عن ابن لهيعة عن أبي قبيل عن أبي رومان عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال: إذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأرض فلا تحركوا ايديكم ولا أرجلكم، ثم يظهر قوم ضعفاء لا يؤبه لهم، قلوبهم كزبر الحديد، هم أصحاب الدولة، لا يفون بعهد ولا ميثاق، يدعون إلى الحق وليسوا من أهله، أسماؤهم الكنى ونسبتهم القرى، وشعورهم مرخاة كشعور النساء، حتى يختلفوا فيما بينهم، ثم يؤتي الله الحق من يشاء]ا.هـ.
رجال الإسناد: نعيم بن حماد الخزاعي صاحب كتاب الفتن، من شيوخ البخاري – وإن كان فيه خلاف – وشيخاه:
الوليد بن مسلم
الوليد بن مسلم عالم أهل الشام، يدلس تدليس التسوية، إلا إنه تابعه رشدين بن سعد، وهو ضعيف، لكن المتابعة هنا مقبولة على شروط أهل الحديث وشيخهما ابن لهيعة قاضي مصر وفقيهها، وفيه خلاف أيضاً، إلا أن حديثه في السنن،
وشيخه أبو قبيل المعافري – تابعي قديم – وهو ثقة وعالم بالملاحم.
وأبو رومان الراوي عن الإمام، لي شبه المجهول، إلا أن رواية أبي قبيل عنه مع علمه بالملاحم يقويه، فالمهتم بعلم ما يعرف ثقات ذلك العلم من ضعفائه.
فالأثر من حيث الجملة تستطيع أن تقول ضعيف الإسناد، وتستطيع أن تقول حسن الإسناد إذا توفرت قرائن، كتصديق الواقع له وعلم أبي قبيل بالملاحم. ومثل هذا الإسناد في التواريخ والملاحم يعتبر في قسم الصحيح..
والصحيح مراتب، من الحسن لغيره إلى المتواتر ليس رتبة واحدة، ولك الحق في الرفض والقبول، لذلك يكثر أهل الحديث من قولهم (صحيح إن شاء الله.. حسن إن شاء الله).. لماذا؟
لأنهم يعرفون أن أغلب الحديث والأثر ظني، فالقطعي نادر جداً.
وكلمة هو (حديث صحيح إن شاء الله) التي سخر منها بعض من لا يفهم، هي طريقة عقلاء أهل الحديث، مثل أبي عوانة في مستخرج أبي عوانة (ج 6 / ص 415) قال: [وأحاديث مطر لم يخرجه أيضا عندي، وهو صحيح إن شاء الله] اهـ
وكذلك الحاكم في المستدرك (ج 17 / ص 166) : [حديث أبي الحباب صحيح إن شاء الله]، وهذا الهيثمي يقول في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (ج 2 / ص 75): [وقد تقدم حديث عبد الله بن عمرو في باب الدنو من السترة وهو حديث صحيح إن شاء الله].
وهذا ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله – (ج 3 / 153): [وكلا الحديثين صحيح إن شاء الله] وعند الألباني وردت اللفظة عشرات المرات، وهذا طبيعي.
نعود للحديث أو الأثر (وكلا اللفظين صحيح، فالحديث له معنى عام وخاص) فهذا الحديث عن الإمام علي في وصف داعش يظهر لي أنه (صحيح إن شاء الله)، وعندما أقول حديث علي في ( أصحاب الدولة) صحيح عندي فمن حقك أن تقول هو باطل عندك، لأنه كما كررنا أن أغلب الحديث في دائرة الظن والشك والترجيح.
وقرائن صحته عندي:
1- كل ألفاظه دقيقة في وصف داعش، من قوله (لا يؤبه بهم) إلى (شعور النساء) واحتمال الاختلاف بينهم. فاللفظ دقيق جداً وصادق.
2- علم الإمام علي بالفتن والملاحم، بل هو أعلم من حذيفة بها، وإنما اشتهر حذيفة بمعرفته أسماء الذين حاولوا اغتيال النبي، وعلي يعلمهم أيضاً.
نعود لحديث داعش وألفاظه:
1- (لا يؤبه بهم): وهذا متحقق في الواقع، اذ أنه لم يأبه بهم أحد إلى أن اجتاحوا نصف العراق، وهزموا ثوار سوريا.
2- قلوبهم كزبر الحديد: وهذا واقع، فقسوة قلوبهم محل إتفاق، ولذلك ارتفعوا عند السلفيين (وهم مرجعهم الفكري، وفتاوى قتل النساء والأطفال سلفية).
ثم يأتي اللفظ الشفرة:
3- (هم أصحاب الدولة) فهذا اللفظ هو الشفرة، وهو السر، وهو المعجزة، فهذا متحقق بشكل لا يمكن لأحد أن يخترعه قبل 1200 سنة.
4- ( لا يفون بعهد ولا ميثاق) = وهذا أيضاً متواتر عنهم، وللدكتور المسعري تفصيل في قصص نكثهم بالعهود وقتلهم الوسطاء والضيوف.. شيء غريب جداً!
5- (يدعون إلى الحق وليسوا من أهله): وهذا متحقق أيضاً ـ ولذلك يغرون كثيراً من الناس، فيظنونهم أهل حق، والعلم بهم هش، لأن الناس يتبعون أشباههم.
6- (أسماؤهم الكنى ونسبتهم القرى) : أبو فلان البغدادي، أو فلان الشيشاني، أبو فلان الليبي، وهذا متحقق فيهم كلهم، وليس مجرد نسبة نادرة كالسلف.
7- (وشعورهم مرخاة كشعور النساء): وهذه غريبة جداً، وهذا يدل على أن الصحابة والتابعين لم يكونوا هكذا، وإنما كان شعرهم متوسطاً مرجلاً كأهل السراة.
حوالي ثمان صفات مجتمعة فيهم لا تجتمع في غيرهم، كل من سواهم على الأقل ليست فيهم كلمة (هم أصحاب الدولة)، حتى طالبان لا تتوفر فيها هذه الصفات.
وهذا يدل على أن العلوم المستقبلية ليست كلها باطلة، ولا يشترط فيها صحة السند مادام ظهرت المصاديق على الأرض واجتمعت بهذا الوضوح الفج في داعش.
المبالغة في الإسناد وصحته انفرد به متشددو أهل الحديث فقط، فالنب
ي (ص) نفسه لا يشترط صحة الإسناد كما يفعل غلاة أهل الحديث، كعلمه بعدل النجاشي مثلا.
فلو أن النبي يشترط أن يأتيه الخبر بسند صحيح بأن يكون الراوي عدلاً ضابطاً مسلماً متصل الإسناد عن مثله من غير شذوذ ولا علة.. لضاقت المعارف.. إنما هناك أخبار تتواتر ولا تحتاج لإسناد، وأخبار تسندها القرائن، وأخبار يصدقها الواقع، فهذه تكون مقبولة ولا يشترط أن تنطبق عليها شروط الحديث.
أيضاً أهل الحديث قد يروون بسندهم الصحيح ما هو باطل، كحديث الجساسة، وأكثر أحاديث الدجال – إن لم يكن كلها – وهكذا فهناك معايير خارج أهل الحديث.
والخلاصة:
أن المجال واسع يستطيع أحدكم تصديق الأثر ويستطيع آخر أن ينكره لضعف ما في سنده، والرايات السود ليس لهم هم – وفق الأثر – ظهروا بعدها.