أحيانا يحتاج الواقع السياسي أن نُسْعفه بالكثير من الخيال العلمي لكي نقترب منه!
ومن ذلك، أن نَدْخله من بوابة الافتراضات الطاعنة في الغرابة.
أو في البداهة، وبعض البداهة يعمي…
أفترض أن الانتقال الديمقراطي، حصل ، بمبررات شكلانية وقانونية ومفاهيمية مكتوبة، مع دستور 2011..!
وقد ساعدناه كثيرا بالمنهجية الديمقراطية التي عطلت السياسة مدة طويلة في المغرب إلى أن عثر لها عبد الرحمان اليوسفي ، أطال الله عمره على … اسمها المناسب!..
وإذا سلمنا بهكذا سيناريو، أو فرضية، فإننا سنكون اليوم في المغرب الجديد في مرحلة البحث عن … انتخابات لهذا الانتقال الذي تحقق قبلها!
هو تمرين على السريالية، لا باعتبارها نقيض الواقع
بل باعتبارها ما فوقه!
كما لو أننا – في مجمل التهويم – نبحث للانتقال الذي أسس له الدستور، عن الانتخابات التي تقود إليه..
وإلا ما الذي يجعل بلادا يفترض أنها أجابت الجواب الصحيح في معادلة الانتقال الديمقراطي التي استعصت على الكثيرين في 2011، لا تجد إلى حد الساعة قواعد لعب متوافق عليها تليق بـ50 سنة من التجربة الانتخابية ؟..
لماذا يظل الشك سيدا؟
ما الذي يجعل الخوف من الانتخابات أكبر بكثير ( القيامة بلغة الخطاب الملكي ) من هواجس دستور جديد؟..
ثانيا: نبدو كما لو أننا نبحث للانتقال الديمقراطي، المتحقق دستوريا، عن موارده البشرية من …..الناخبين!
ولعل في قضية اللوائح والتسجيلات فيها والنقاش الحاد حولها وصعوبة الحسم ، باعتماد البطاقة الوطنية مثلا، ما يمثل بالفعل الحيرة أمام الناخب المطلوب تحديدا لكي يقودنا إلى هذا الانتقال!!
وعلاوة على ذلك، سيفرض علينا الانتقال الثاني ، (أو العكسي، من الانتقال الديمقراطي إلى الانتخابات)، البحث عن طبقة سياسية ، خريجة الفعل السياسي وليس أي شكل من أشكال التأطير الأخرى..
لا البيروقراطية الإدارية
ولا البيروقراطية الملتحية التي لم تدخل السياسة قبل هذا اليوم، بل جاءتها من التأطير الدعوي!
ومن غرابة المشهد ، أيضا، أن التأطير البشري، أي الإشراف السياسي والقانوني، يرجع إلى وزارة الداخلية – بتاريخها المشهود في توجيه الاقتراع والذي تتحرر منه بالنتائج وحدها لا غير – ووزارة العدل ورئاسة الحكومة، وهما من الحزب الذي يوجد في قلب السيناريوهات كلها!
ويبدو المشهد، ثالثا ، كما لو أن اللقاء هو لقاء حول مائدة التفاوض حول الشكل الذي يجب أن تتم به مجريات اقتراع ليس ككل الاقتراعات..!
لأنه اقتراع يأتي عقب …الانتقال الديمقراطي.
هنا ينتهي السيناريو السريالي، لكي يفسح الطريق نحو البداهة القاتلة ،والتي لا يتنازل عنها أي ديمقراطي: لكي يقبل الجميع بالانتخابات لا بد من أن تكون شفافة وألا تشوبها أية شائبة، وإلا فإن الظلال الكثيفة ستقتل أي بديل ممكن، بل أي مستقبل ممكن !
وسنعود إلى واقع شرس، لا ينفع معه سيناريو الخيال العلمي….
المطلوب في نجاح التطور الديمقراطي الآن هو الخروج من وضع الهشاشة والشك إلى …وضع الشرعيات الديمقراطية المكتملة!