يتابع الديمقراطيون وعموم الرأي العام الوطني مجريات النقاش في الفضاء العمومي، بغير قليل من القلق والحيرة، لاسيما وأن جزءا منه يدور حول مخاطر تكييف الرأي العام الوطني ، واستدراجه إلى خيارات ليست من صميم استكمال البناء الديمقراطي، ولا في قلب الاستحقاقات الجدية المطلوب توفير شروطها من أجل استكمال بناء الدولة الديمقراطية الوطنية الحاضنة للمؤسسات الناجعة ديمقراطيا. ويتضح أن التكييف المتعمد للفضاء العمومي يتم عبر ثلاث محاور على الأقل:

1- أول هذه القواعد هو ما سبق للاتحاد وقيادته أن نبهت إلى خطورته ورفضه، ويتعلق الأمر بفرض ثنائية أو قطبية مفتعلة، لا تخدم المشروع الكبير، مشروع بناء مغرب الحريات والمؤسسات والثوابت الديمقراطية الناضجة. وهذا التكييف يقدر حزب القوات الشعبية أن ثمنه سيكون كبيرا، في ما تواصل تكييف الرأي العام بالطريقة التي تجعل المجتمع بدون بدائل قوية وديمقراطية وحداثية منفتحة وذات تجربة نضالية طويلة ..

2.- تحتل الاستطلاعات الخاصة بالنزوعات الانتخابية أو نوايا التصويت أو برأسمال الثقة في الفاعلين السياسيين المتنافسين حيزا مهما في آليات التكييف الجديدة، ولعل الانتباه إلى خطورتها قد حصلت، من حيث الجانب الرقمي والإحصائي فيه، لكن التكييف عبر الاستطلاعات له أذرع كثيرة، لا يمكن أن نغفلها في هذه المرحلة ونحن في الخط الأخير من الاقتراع..

3- الهروب بالنقاش إلى قضايا جانبية، مهما كانت مركزيتها في سلم القيم، ومحاولة حصر التداول العام في معادلات جانبية، لا تأثير لها علي مسار البلاد في بناء مؤسساتها ولا في الجواب على أكبر المعادلات خطورة، كالنموذج التنموي أو طبيعة الدولة الاجتماعية أو مشاريع الفعل الاقتصادي التبعي الخ، وهو ما قد يعصف بالمكتسبات الاجتماعية التي قدمت في سبيلها القوى الحية الغالي والنفيس..

إن هذا المنحنى، والذي قد يعتقد البعض بأن له مردودية سياسية آنية، من شأنه أن يرهن البلاد في مستوى منخفض من طموحها الديمقراطي والتنموي والسياسي عموما، كما أنه يفسد التنافس الديمقراطي ويحد من شأنه ، بتغييب الأسئلة الحقيقية ذات الصلة بالسياسات العمومية لفائدة منازعات غير تنافسية في عمقها بل تفضي إلى هدف واحد، هو التشويش على التنافس والنقاش الديمقراطيين .

*رسالة الاتحاد

      الجمعة 26 غشت 2016.

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…