اضحى العيد والزمن السياسي معطلين بالتخلف والتحجر والردة المعرفية في هذه الحقبة ..وتعددت “المبادرات” الهجينة والمبتدلة التي لاتسعى الا الى افساد كل الاليات الانسانية الدالة على النضج والقدرة على التمييز ..
فاينما نظرت الا وتراءت لك الصور المتناقضة والمتعارضة تجمع بين الرغبة في التسلط وامتلاك كل ما انتجه العالم المتحضر للتحكم في عالمنا “المتخلف” الذي مرة يسير ببطء واخرى يحبو بتعثر ..تؤطره افكار وقناعات مصطنعة تنسب نفسها لاصالة موغلة في القدم مفضية للعدم اصبحت كالحفريات والنقوش الصخرية وبقايا المستحاثات المجمدة التي ما يزيدها الزمن الا تصلبا يسهل معه تلاشيها وتفتتها باي مؤثر خارجي …اصحابها كالذين يحملون اسفار العهود القديمة والحديثة لا يستوعبون دلالاتها فينطقون بالمكتوب فيها بخطاب يقصدون به اعادة انتاج وتدوير الجهل والتخلف ..والحال انهم امروا وجوبا باعمال العقل والحكمة في كل امور الحياة .. “افلا يعقلون ” ..”افلا يتدبرون “..”افلا يتفكرون “..
ان العديد منهم تركوا الحكمة جانبا لانها جوهر الامانة التي لا يتحمل ثقلها الا من كانت التضحية ونكران الذاث والمواطنة الحقة هي ديدنه وعلة استمرار صفاء حياته ..انهم لايريدون الا الريع الذب يسمونه للتضليل خيرا ورزقا ..الا ان خواتم الاختيارات ونتائج القرارات والاعمال وانعكاسها على الناس كافة سلبا واحباطا لاينفع يوم تبدل الاوضاع غير الاوضاع و السماوات غير السماوات والارض غير الارض فيبرزون امام الناس والتاريخ في هذه الحياة وامام الله يوم القيامة حيث تنشر صحف وكتب الافراد والجماعات التي لا تترك صغيرة ولا كبيرة الا وتحصيها وتوثقها بالتفصيل المجهري ويدعى كل واحد لقراءة الحصيلة الحقيقية التي افتقدت الحكمة في الحياة الدنيا فافسدت على الناس حياتهم راهنم وتهدد مستقبلهم …
قال تعالى ..(يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ )سورة البقرة..فمن انعدمت الحكمة الحقة في كلامه وافعاله وسياساته وقراراته فقد جلب لنفسه وللناس شرورا كثيرة ..
ومن المعلوم عقلا وشرعا ان المفكر و العالم والسياسي و الفقيه او اي باحث موضوعي و صادق لايجوز له ان ينحاز الى الخطا ولا يتشبث به .. ولا يتعصب لحد الجهالة لراي او موقف او قناعة ..ولا يجنح الى التقليد الاعمى لراي مذهب او طائفة او جناح يميني او يساري او ينحاز الى العدمية … لان ذلك ليس من اصول وقواعد العقيدة والفكر المتعقل والسليم ..
ان الذين يجعلون عمدا وعشوائيا افكارهم عبارة عن مجموعة من المفرقعات المتسلسلة التي تترجم في الواقع باشكال مختلفة اصبحت وتصبح اضرارها ومستويات تخريبها للقيم ومنظومة الحياة اكثر من العمل الارهابي الميداني ..انهم كمن اصيب بسلس من “الهرطقات البدعية التضليلية ” والسفسطة البليدة التي لاتريد الا الاساءة للاخرين لاشباع حقد وجهل لاحدود له …
ان هذه الممارسات الفاسدة تنقض طهارة الكلام والفكر فتجعلهما فاسدين يتسببان في تسمم مروجه وحامله والمحمولة اليه وحاضنه .. كما تشوه معاني ودلالات واهداف كل ما يربط بين الانسان باخيه الانسان و بخالقه ..فتصاب المقاصد العقلية والشرعية بشلل مهول وبسكتات دماغية وقلبية تجعل امتنا مهددة في حياتها في كل لحظة مما يتطلب وضعها بالعناية المركزة وتحت الحراسة المشددة مع الحجر على الافكار والاعمال والارادات للوصاية على الناس .. فيصبح “التحكم” وهذا مقصدهم هو الحل الوحيد لاستقرار واستمرار الحياة بغرفة انعاش مع وصف ذلك بانه “تنمية” مستدامة تجعل كل من يسعى للخروج منها وكانه مهدد بالموت او مارق او يهدد اجماع الامة ووحدتها ..
..كما تتسبب سياسات اللامعقول والعبث ..في تلوث الايمان بدور العقل و النقل فيحرم بذلك الجميع من التمتع بسمو الروحانيات و الغقليات …ان من كان في قلبه مثقال ذرة من بغض او حسد اوعجب وعجرفة ..ومن كان لعانا وفظا وداعيا للاعجاب بسوء العمل .. لايستطيع نصح نفسه ولا يقبل بنصح وتقويم غيره له …
ان تحويل الفضاءات الدينية والسياسية والوطنية الى ملاعب “للغوغائيين” الذين لايسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون لايتم الا باعتماد الحيل والتلاعب والتغليط والتدليس لاستمالة ضعاف النفوس ممن اضاعت الامية بوصلتهم او ممن زين لهم شيطان من انفسهم مايقولون ويفعلون … انهم يسعون بشكل حثيث للسطو نهارا وليلا على العقول والابدان والاموال والارادات ..وهذا من اخطر انواع السرقة الموصوفة التي تخرب كل شيئ ..
فكلما اجتمع الغوغاء على عالم السياسة والثقافة والدين … الا وتخبو الانوار وتمتد اثار الظلام الى كل شيئ ويقتل كل ما هو جميل في الانسان والكون …لهذا كان الحسن البصري رحمه الله إذا ذكر أهل السوق والغوغاء عنده قال:” قتلة الأنبياء ..” …وسنجد في بطون كتب التاريخ وصفحات الواقع المعيش انهم وراء قتل خيرة العلماء والشرفاء والمناضلين وانهم وراء خراب دول ومؤسسات …
ان الغوغائية اليوم منتشرة في كل تمظهرات الواقع لدرجة القرف ؛طالت الفن والعلوم الوضعية والدينية والسياسة ..واصبحت الميوعة والانحراف والتحجر والعدمية والانتهازية مجالات للتباهي والتنافس …
ان اغراق الناس في الجهل والامية و جرهم الى الشارع وتجييشهم لمعارك فارغة ووهمية ومفتعلة لقضاء مآرب مرحلية ينافس اعمال “الشياطين ” التي لاياتي من وراء وسوساتها وايحاءاتها الا الضياع وسوء المصير …فاتقوا الله ان كنتم تومنون به وبلقائه وتيقنوا ان رضى الله وشفاعة نبيه صلوات الله عليه وسلامه لايتحققان الا باحترام الانسان وتكريمه وضمان كل حقوقه وتمتيعه بخيرات بلاده وحمايته من كل مكروه بنشر الامن والحرية والعدالة.. وليس الوعود الزائفة التي تسمن ولا تغني من جوع …
ونخلص الى القول ان المشهد السياسي والعام اليوم لا يمكن وصفه الا بالبؤس والتفاهة والسوقية والعدمية الجهلاء والانحطاط ..فاصبحت اوضاعنا وكانها لن تستقيم الا بما نحن عليه واننا لاخوف علينا ولاحرج وان غاية استقامتنا في اعوجاجنا وانحرافنا ..فتحطمت بذلك كل الارقام السلبية السابقة قهرا وتحكما وتراجعا وتجهيلا وتضليلا في مجال ادارة و تدبير امور السياسة لتاطير علاقات الرعاة بالرعية ولنقل باسلوب ديموقراطي علاقات الشعب بالحكام …وكان الله في عون الشعب مادام الشعب والقوى الديموقراطية والحية تسعى للخير حقا وصدقا وعملا ..
ولن نقول كما قال الاقدمون وكما جاء في الحديث لهؤلاء واولائك .. (إذا لم تستح فاصنع ما شئت)؛
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم “إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت” . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ…ونقولها بصيغة الجمع .. ان لم تستحوا فاصنعوا ما شئتم .. ونقول لهم كفي وكفى ثم كفى ..واتقوا الله في هذا الشعب الصبور والكريم والصامد الذي طال انتظاره للفرج الفعلي ..وفي مثل هذه الاحوال اصبح النصح والمعارضة البناءة من اوجب الواجبات لعل الله يحدث بعد ذلك امرا ويجعل بعد العسر يسرا ..