تعمم المندوبية السامية للتخطيط إحصائيات، ذات دلالة هامة، تتعلق على الخصوص بالاتجاه التصاعدي الخطير الذي تعرفه بطالة الشباب، حاملي الشهادات العليا، حيث تتواصل الأزمة سنة بعد سنة، في غياب أية استراتيجية واضحة من طرف الحكومة، للانكباب الجدي على هذه المعضلة التي تمس الأجيال الشابة، المتعلمة، والتي لا تجد لها مكانا في سوق الشغل، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص.
صحيح أن البنية الديمغرافية تسير في اتجاه وصول عدد أكبر من الشباب إلى سوق الشغل، بمواصفات جديدة، حيث إن جزءا كبيرا منهم حاصل على شهادات، وصحيح أيضا أن النتائج الطبيعية للتطور الذي عرفه معدل الولادة في المغرب، أو ما يسمى «baby boom « بين 1960 و 2000، تظهر الآن بقوة في المشهد المغربي، وهو معطى بنيوي، خارج عن إرادة أي حكومة.
غير أن دورالحكومة بالتحديد هو التفاعل الإيجابي مع هذا المعطى ووضعه على رأس سلم الأولويات، وهو الأمر الذي لم يحصل، بل ما تم لحد الآن هو الرضوخ لمذهب اقتصادي، مغرق في اليمينية، يؤمن بدور السوق كمنظم تلقائي للعمل، مما ساهم إلى حد كبير في تكريس هدر للطاقات.
الإحصائيات التي نشرتها المندوبية السامية للتخطيط، تؤكد أنه كلما ارتفعت نسبة التعليم لدى الشاب، كلما قلت حظوظه للحصول على منصب شغل، حيث إن معدل البطالة لدى الأشخاص الذين لا يتوفرون على شهادة، بلغ 3,7 في المائة، بينما بلغ لدى أصحاب الشهادات المتوسطة، 12,9 في المائة 18,2 في المائة لدى أصحاب التخصص المهني، و20,4 في المائة لدى أصحاب الشهادات العليا، أما لدى خريجي الكليات فإنه يصل إلى 23,3 في المائة.
هذه هي السمة الغالبة على سوق الشغل في المغرب، لكن ما تسجله الإحصائيات أيضا أن معدل البطالة العام بين الشباب من 15 إلى 24 سنة زاد ليصل إلى 21 ,5 في المائة. و إذا لم يوضع حد لهذا النزيف، فإن المستقبل سيكون حاملا لكل بذور الفشل والتذمر والضياع بكل أشكاله.
ما يحتاجه المغرب اليوم، هو حكومة قادرة على التفاعل مع هذه المعطيات البنيوية، وليست حكومة تتبجح بصدامها مع الشباب، وتفتخر بتبنيها لمذهب ليبرالي يميني، أكل عليه الدهر وشرب، وأصبح متجاوزا حتى لدى الذين أبدعوه.