هل الدين أفسد العرب؛ أم العرب أفسدوا الدين؟!


هذه جدلية يتناولها كثير من الناس في السر، ويلمحون لها في العلن؛ وهما فريقان عريضان؛ وبينهما أطياف:
الفريق الأول يقول الدين هو سبب فساد العرب؛ وليس العرب هم سبب فساده، فقد كان العرب في الجاهلية أهل مروءات وأخلاق وشيم وكرم؛ بل وحضارات مذكورة، ولما أتى الإسلام قتل مروءاتهم وعقولهم وأخضعهم بالخوف والدروشة وجعلهم أنذالاً لا يرقبون إلاً ولا ذمة، يقتلون النساء ويغدرون وينهبون ويغزون ويقطعون الطريق ويستعبدون الشعوب …الخ؛ وهذه وجهة نظر يجب أن تناقش؛ ولكن ليس الآن..

لكن؛ نختصر ونقول: من خلال خبرتي بهذا الفريق، فهم يستعجلون ويخلطون في الغالب، أعني؛ لا يفرقون بين الدين والمذهب، بل بعضهم يرى أن داعش والوهابية هي الإسلام الأول تماماً!! وهذه كارثة ودليل على مقدار بعدنا نقصده هنا؛ والذي نقول أنه يخالف الإسلام الأول الذي نجده في القرآن؛ ليس المذاهب عن فهم الإسلام الأول.

المذهب الذي الأربعة ولا العشرة، بل مذهب قديم ، مذهب ثقافي وسياسي يجب تفطيكه وفهمه حتى نعرف؛ هل الإسلام متهم بكل هذا؛ أم أنه سينجو من بعضها على الأقل..؟

فالمذهب القديم (السياسي الثقافي النفاقي العصبي المصلحي)؛ مذهب واسع مختلط صعب التفكيك، وما المذاهب الناشئة إلا فروعاً منه، فلا نظنه سهلاًُ، ولكن تفكيكه ونقده والصبر على ذلك أسهل من الخروج من الأإسلام والعقل والبحث والإنصاف..

ذلك المذهب (الخليط) كان فاسداً؛ وأراد أن يفسد الإسلام معه بجعل الإسلام يخدمه؛ ويقدم له الخدمات والمصالح والمزيا، وربما كان أصحاب هذا المذهب الخليط أنذالاً قتلة منافقين؛ ويريدون أن يؤصلوا لنذالتهم ونفاقهم بالدين، فأطفأوا الإسلام الأول وشوهوا السيرة والنبوة وقرءوا القرآن قراءة تفيد بأنه مع نذالتهم ونفاقهم وكذبهم وجشعهم واستعبادهم العرب وغيرهم.. وهذا ما ندون حوله ونريد أن يفهمه الناس؛ لكن أغلبهم للأسف لا يفهمون؛ أو لا يريدون.
….
المقصود؛ أن الرأي السابق بأن الدين هو سبب الفساد؛ هو رأي سائد عند كثير من الباحثين – وفيه ضعف في البحث والملاحظة – لكن؛ نظراً لانتشار قراءة الذهب الخليط واستقرارها في عقول الناس؛ فهم يستعجلون بالقطع قبل البحث والتفكيك والتركيب .. وضعف البحث العربي هنا، وقد تبعه ضعف البحث الإسلامي، ثم ضعف البحث الإنساني لفهم هذا الدين.

الفريق الآخر يقول: ليس السبب في فساد العرب هو الدين، فالدين لم يأمر إلا بالبر والتقوى والعدل والإحسان وإطعام المسكين وأكرام اليتيم والتفكر والتواضع ..الخ ، وإنما العرب أنفسهم هم سبب فساد أنفسهم وفساد الدين لعنصرياتهم وعصبياتهم ومصالحهم وأنانياتهم وأهوائهم … الخ، والعجم تبعوهم على هذا، وأن هذا الدين لو نزل بدايةً على الأوروبيين أو الهنود أو الصينيين لكان ديناً آخر غير ما نراه اليوم..لأنه دين لا يسير إلا بالتواضع من أهله، وبما أن الشعوب الأخرى متواضعة – ولو للمعرفة والمعلومة – وبينما أن العرب متكبرون – وخاصة في المعرفة والمعلومة – فلذلك؛ لابد أن يفسدوا الدين الذين يحملونه.. فهم لا ينقدون أنفسهم ويتعبون؛ لا يراجعون أخطاءهم ولا يذمون سيرة طغاتهم من سلفهم ولا يردون أخبارهم ولا يشككون في سيرتهم.. وهذا الفريق يستطيع الجواب على السؤال:
ولماذا لم يبعث الله أوربياً أوهندياً حتى يقوم بالدين الهنود والأوربيون..؟
كما أنهم يستطيعون الجاب على سؤال: لماذا بعث الله الأنبياء في منطقة محددة (الشرق الأوسط)؛ ولكن الجواب صعب على الفريق الأول الذي اعتاد على قراءة المذهب المختلط، واستشرب أخلاقه في العجلة والكبر والسطحية والذهول عن السنن والحكم الإلهية – وقد تكلمنا عنه لاحقاً؛ وليس موضوعنا الآن –

نرجع لموضوعنا:
شخصياً أرى النسبية، وأن فساد أمر العرب وما نراه من ضعفهم وتخلفهم وتناحرهم وأوضاعهم كلها، له أكثر من عامل وليس عاملاً واحداً، لكني لا أرى أن دين الله من تلك العوامل لأنني أفهمه فهماً خاصاً، ولو أنني أفهمه كما يفهمه أكثر الناس لجعلته عاملاً من عوامل فساد العرب؛ وأعلنت ارتدادي عن هذا الدين؛ ولو لبعض الأصدقاء الخاصين، وكل الزملاء الخاصين يعلمون أني أسر لهم أموراً كثيرة، لكن؛ ليس منها الشك في هذا الدين والحمد لله.

القصة هنا؛ أن الإسلام نفسه تعرض لحرب ثقافية داخلية ماكرة، من أطياف كثيرة جداً، تحالفت عليه، من المنافقين واليهود وعديمي الفهم وأصحاب المصالح، … أطياف كثيرة جداً – استعرضتها في برنامجي سيرة النبي – فلما أفسدوه بالآراء والمصالح وضعف الضمير، سيكون من الطبيعي أن يستخدمونه في قتل المروءة والشهامة والعدل والصدق وكل ما فيه خير وحق وعدل وإنصاف وبر وإحسان ومكارم أخلاق.

فالقصة والتحدي الكبير يكمن في معرفة أطياف هذا العدو المتخفي، الذي أخفاه الشيطان خلف الخطابة والشعائر والقتال والمظاهر الخداعة؛ من فتوحات ولحى ولباس وتفصيلات صارفة وجزئيات مملة..
..
أما غير الديني؛ فلا أظنه يستطيع استيفاء (أعداء الدين والإنسانية)؛ فهو لا يؤمن بالغيب ولا بوجود شيطان ولا بصحة قرآن ولا بعث أنبياء.. لكن المؤمن بؤمن بهذا كله؛ ويحاول أن يتعلم من الله معرفة أعداء هذا الإنسان، (والله أعلم بأعدائكم). ولا نستطيع التقدم دون معرفة الأعداء؛ وهذا ما يرفضه الشيطان وأولياؤه..

يقولون لك: تقدم .. ما يحتاج أن تعرف الأعداء… فلما نتقدم يأتي لنا هؤلاء بأولياء الشيطان أمامنا ليعرقلون التقدم.. وهكذا يبقينا في حلقة مفرغة ، نقدم خطوة ونؤخر أخرى؛ عبر ألف وأربعمئة سنة، وقد نبقى ألاف السنين والشيطان وأولياؤه يقولون لنا تقدموا، مال الذي يمنعكم؟ فهذا القرآن الكريم بين أيديكم؛ وهذه الحضارة الإنسانية؛ وهذه تجارب الأمم .. وهذه التكنلولوجيا.. وهذا العالم أمامكم.. واتركوا أحداث الماضي … فلما نصدقهم ونحاول أن نتقدم خطوة بطرح مبدأ (كالحرية مثلاً) أو (العدالة) أو ( السلم الأهلي) أو ( الصدق)؛ أتانا هؤلاء بأصحاب المذهب المختلط من أولياء الشيطان يعترضون على كل خطوة ويقولون: هناك فتوى تقول ووضع يمنع..الخ..

إذاً؛ فنحن جادون في تفكيك المذهب المختلط الذي أفسد الإسلام وأفسد أهله.. حتى يتخلص منهم الإسلام وأهله، ويعز العرب ويستعيدوا مكارم الأخلاق التي أفسدها هذا المذهب الخليط ولم يفسدها الإسلام..

صحيح؛ طريقنا شائك وصعب؛ ولا معين لنا تقريباً، لكننا لا نستطيع معرفة (الدين ما هو؟) حتى نجزم أنه سبب الفساد أم الناس إلا ببحث ومعرفة وهدوء وتواضع … كما لا نستطيع تمييز الخبيث من الطيب من العرب وغيرهم حتى نعرف من أين أتانا البلاء، وكيف تسلل هذا المذهب الشيطاني المختلط الذي أبعدنا عن ذورة الإسلام وأبقانا في تفاصيل الشيطان.

كما أننا لا نستطيع أن نلحد ونكفر ونعلن هذا ، لأننا غير مقتنعين .. ونحن نعذر الفريق الأول إلى حد ما، أي الذين يرون أن سبب فساد العرب هو الدين، لأن الشيطان قد عبث في الإسلام – عبر أؤليائه – بطريقة عجيبة، بحيث يكون التخلص من الدين حرية وعدالة ومساواة وتنمية وتفكير ….

نحن كعرب ومسلمين في ورطة لا يعلم بها إلا الله؛ وما دام أنه لا يعلم بها إلا الله؛ فلنسأله المخرج منها. والمخرج موجود في القرآن وفي تجارب أمم ألأرض لو شئنا. لكننا لا نريد لا الحل القرآني ولا الحل الغربي والشرقي.
إذاً؛ فالبلاء فينا ، نحن لا نريد.
فمن نحن؟؟ نحن عرب ومسلمون…
إذاً؛ ما هي هذه العروبة التي تمنعنا من الحل؟ لن تكون عروبة نزيهة؛ بل مزيفة..
وما هو الإسلام الذين يمنعنا من الحل أيضاً؟ لن يكون ديناً إليهاً نزيهاً وإنما سيكون مزيفاً ألصقه المنتفعون بدين الله الأول الذي هجره الناس وجهلوه ..

نعم؛ عند الباحثين (غير المؤمنين وأشباههم) يقولون : الدين نفسه دين مزيف، أو على الأقل؛ لا يصلح لهذا الزمن، ولكنهم لا يستطيعون التجديد، هم عاجزون، ولسنا من نمنعهم نحن، وإنما يمنعهم أصحاب المذهب المختلط، الذين يتفقون معهم في الرؤية للإسلام، وهم يقفون غالباً مع التيار المختلط في تفسير الدين كما يراه ذلك المذهب المختلط، وهما يتعاونان علينا بتثبيت هذه الرؤية، أعني؛ يتعاونون على الذين يريدون فصل دين الله ألأول عن المذهب المختلط..

أنا من الفريق الآخر الضعيف الذي يقول : لا / دين الإسلام دين صحيح؛ لكن؛ تم تحرف معالمه وحرف مساره، ولكنهم عندما يريدون أن يبحثوا بجدية يعارضهم الناس كلهم الذين يتفقون على تثبيت القراءة السائدة عن الإسلام، فهما حليفان في الواقع (أعني الذين يقولون أن الإسلام هو سبب الفساد و المتمذهبون الذين الذين يرون أن الشيطان هو أصالة الإسلام، هم في حلف؛ لكنهم لا يشعرون، هم متفقون في تثبيت الرؤية التي تقول أن الإسلام هو ما فعله المسلمون قديماً وحديثاً = المذهب المختلط السياسي النفاقي المصلحي العنصري).

وبهذا؛ سنبقى هكذا … كعرب ومسلمين، فالفساد فينا، لأننا نرفض تخليص دين الله من الأنداد الساكنة في قلوبنا وتراثنا وتاريخنا ووجدانا.. وخاصة المؤثرين منهم الذين لهم أبلغ ألأثر على تشويه قيم الإسلام ومبادئه، ونشروا التخلف والتطرف ومسخوا النفس المسلمة، فهؤلاء لهم حماية خاصة؛ لأن الشيطان يمنع من كشفه وكشف رموزه ومشروعه وثقافته ونفسياته التي يبثها في قلوب المؤمنين وغير المؤمنين..
الخلاصة: أن البلاء في الناس وليس في الدين؛ والعرب أول المسؤولين عن التفريط في هذا الدين وتشويهه؛ لأنهم خضعوا للمستبد والكاذب والمنافق والظالم.. وإلا فمعظم العرب أبرياء ، لم يشاركوا؛ لكنهم أطاعوا، فهم مدانون لسلبيتهم .. سبب فساد الدين هم العرب لا الدين.. وما زالوا..
أنا مطمئن لهذه النتيجة ومقتنع بها، وللآخرين أن يروا ما يشاؤون.

*موقع الشيخ المالكي

‫شاهد أيضًا‬

تيار التجديد وأسئلة المرحلة * بقلم : د. حسن حنفي

  نشأت في العالم الإسلامي منذ القرن الثامن عشر ثلاثة تيارات فكرية واختيارات سياسية، م…