اعترف انني لست على اطلاع كامل على ملف الأُطر الألف المعنيين بمشكلة الإدماج. لكنني ادرك تماما ان المشكلة ينبغي ان تحظى بأقصى درجات الاهتمام لإيجاد حل لها، كما أومن بأن اختزال هذه القضية في الف طالب متدرب او الف أستاذ متدرب يحاولون التحايل على القوانين المنظمة لمدارس التكوين مقابل حكومة ترغب في اخضاع الجميع الى مقتضيات القانون واللجوء الى قوات الامن لتحقيق هذه الغاية،
ان هذا الاختزال لا يساعد على حل المشكلة وليس هو السبيل الى درء تكرار مثل هذه المشاكل في المستقبل.
وفي الواقع كان مطلب ربط التكوين بالتشغيل لمواجهة الخصاص في الاطر في مختلف المجالات التربوية والصحية وميادين التنمية الاقتصادية وغيرها شعارا لمختلف القوى الوطنية والديمقراطية المغربية منذ اكثر من ثلاثة عقود على الأقل. وكانت بطالة الأطر في بداياتها السابق. غير ان اتجاهات مؤشرات نمو البطالة كانت تنبئ بالكوارث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ما لم يتم تدارك الامر قبل فوات الأوان .
وهذا الشعار الذي كان استشرافيا في الماضي اصبح العمل على تنفيذه ملحا في راهن بلادنا، باعتباره مطلبا شعبيا وليس مطلبا فئويا كما يحاول البعض الإيحاء بذلك خاصة بعد خروج الاستاذة المتدربين الى الشارع وطرح ملفهم المطلبي على الحكومة والجهات الوزارية المختصة.
صحيح ان هذه قضية تستحق كل العناية لإيجاد حلول ملائمة لها، الا ان ما لا ينبغي نسيانه او تجاهله هو كونها قضية واحدة داخل حشد من القضايا التي تعيد الاعتبار لشعار ربط التكوين بالتشغيل باعتباره الاطار الذي ينبغي ان تندرج ضمنه كل الحلول المقترحة لكل الملفات المطروحة على جدول اعمال الحكومة والأحزاب السياسية والمنظمات النقابية على حد سواء.
انطلاقا من هذا فإن الانكباب على إيجاد حل يرضي الأساتذة المتدربين امر ملح، الا انه ليس كافيا ما لم يتم ربط كل منظومة التكوين بالمغرب بآفاق سوق الشغل التي ليست بالضرورة في اطار الوظيفة العمومية التي هي المشغل الأساسي لخريجي المعاهد والكليات خلال السنوات الماضية. ذلك ان على القطاع الخاص ان يضطلع هو أيضاً بدوره في هذا المجال. وهو ما ليس ممكنا الا اذا حظيت المقاولات الصغيرة والمتوسطة باهتمام الحكومة على مستوى تشجيعها على استيعاب مختلف الكفاءات ولو اقتضى الامر استفادتها من محفزات مادية بالتناسب مع قدرتها استيعاب وإدماج تلك الفئات.
ان الحرص على استيعاب الطاقات الشابة في المؤسسات العمومية وفي مؤسسات القطاع الخاص لا يحقق مكاسب اجتماعية والعيش الكريم لخريجي مدارس ومعاهد التكوين والجامعات المغربية فحسب، وانما يمكن المغرب من قوة عاملة كفؤة ونشيطة تدعم استراتيجية تنميته الاقتصادية، وتخفف من درجات الاحتقان التي يستغلها البعض لنشر اللامبالاة واللامسؤولية والأفكار المتطرفة واللا تسييس في صفوف هذه الفئات من المواطنين التي ينبغي للمغرب كسبها في معركته الديمقراطية، وفي معارك التنمية وبناء نموذج مغربي متميز منطلقه المواطن ووسيلته المواطن وغايته المنشودة خدمة المواطن.
ان اعتماد سياسات الزجر والاكراه المادي والمعنوي لا يساعد على حل مشاكل موضوعية لا مهرب من معالجتها بالروية المطلوبة والحوار البناء.
وهذا لا يعني ان هذه الفئة او تلك التي تعتبر مطالبها محقة حرة في تحركاتها خارج مراعاة القانون وإجراءاته المرعية في مثل هذه الحالات لأن ذلك لا يساعد بدوره على حل المشاكل وقد يتسبب في تحريف النقاش بما يخرجه من دائرة الاهتمام بالموضوع الأساسي الى دوائر اخرى تحصر المشكلة في تقييم الفعل هنا او رد الفعل هناك.
ان التضامن مع اصحاب الحقوق ليس يعني شيكا على بياض لأي جهة كانت، وانما هو دعوة الى التزام المسؤولية في مختلف مجالات التحرك النضالي الذي ينبغي ان يظل ضمن الأُطر القانونية المشروعة حتى لا يتم استغلال ثغرة هناك او هناك، لتبرير أساليب التعنيف المادي والمعنوي. ذلك ان اقتران انعدام المسؤولية على مستوى اول مع الشطط في استخدام أساليب الردع على المستوى الثاني، يبعدان معا عن معالجة المشكلة على مستواها العميق.