طرح الخطاب الملكي، بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لعيد العرش، إشكالية محورية، تتعلق بموضوع محاربة الفساد، وتناول هذه القضية من عدة جوانب، من بينها أن لا أحد معصوم من الخطأ، سوى الأنبياء والرسل والملائكة، وأن لا أحد قادر بمفرده على محاربة الفساد، بل ينبغي أن تكون هذه المهمة، ثمرة عمل جماعي، منظم بالقوانين وليس شعارا للمزايدات.
وقد أصبح موضوع الفساد يخضع لاستعمال عشوائي، من طرف بعض الهيئات السياسية و من طرف جمعيات ووسائل إعلام، حتى أصابته الميوعة، وفقد مضمونه الحقيقي، في الوقت الذي، كان من المفترض أن يستخدم هذا النعت لتوصيف أفعال محددة بالحجة والدليل القاطع، وأن يخضع هذا الملف لتداول جماعي، من أجل وضع برنامج وطني، للتصدي لهذه الآفة.
و من المعلوم أن الدستور يفتح كل الأبواب ويتيح كل الشروط، لوضع هذا المخطط، الذي ينبغي أن يكون شاملا، على كل المستويات القانونية والمسطرية والإدارية، وهذا من مسؤولية الحكومة، بالإضافة إلى الأدوار التي تلعبها وسائل الإعلام والمجتمع المدني…
الذي حصل في أرض الواقع، هو أن الحزب الذي يتزعم الحكومة، وخاصة رئيسها، عبد الإله بنكيران، تعاملا مع شعار محاربة الفساد، كما لو كان الأمر يتعلق بمنظمة حقوقية، وليس حزبا ورئيس حكومة، يمتلك كل الصلاحيات لتشريع القوانين ولاتخاذ الإجراءات والمبادرات الضرورية، في إطار دولة الحق والقانون.
بل أكثر من ذلك، فقد جعل هذا الحزب، ورئيس الحكومة، من موضوع محاربة الفساد، شعارا دائما، يستعمل ضد الخصوم، في إطار الصراع السياسي، دون أن تأخذ الاتهامات التي يوجهها، بنكيران، لخصومه، مجراها القانوني، الطبيعي، مما ساهم في تمييع مفهوم الفساد، وأساء بشكل مجاني لصورة المغرب.
الهدف الذي اشتغلت عليه هذه الخطة، هو تقسيم المغاربة إلى ضفتين: ضفة الصالحين الأتقياء، وضفة الفاسدين المارقين، في إطار الثنائية التي تلجأ إليها كل الإيديولوجيات الأصولية.
وتمثلت في إلصاق تهمة الفساد بالخصوم السياسيين، في إطار منهجية مطرقة الرأي العام، يوميا بهذا الخطاب، ليتركز في الأذهان، كما لو كان واقعا فعليا، في الوقت الذي لا يمكن لأي طرف أن يدعي أن قياداته ووزراءه ومنتخبيه ومسؤوليه في القطاعين العام والخاص، وأعضاءه، رسل و أنبياء وملائكة، معصومون من الخطأ، ومنزهون، فوق البشر.