كتب بعض الأشخاص الذي كان يتردد حسب زعمه على منطقة تغازوت خلال فترة مراهقته و انقطعت زياراته الإستجمامية إليها لما يزيد عن عقد من الزمن موضوعا إنشائيا حول قضاء يوم بشاطىء تغازوت ذكرني بمادة الإنشاء في المقررات الدراسية للمستوى الإبتدائي سابقا و نسي أن يبدأ مقدمته بالعبارة الشهيرة ” في يوم من الأيام “.
صاحب الإنشاء وصف زيارته لتغازوت خلال يوم الأحد الماضي بشكل دقيق لبعض المشاهد لكنه مغلف بنية مبيتة من أجل التشهير و المساس بسمعتها كوجهة سياحية عالمية واصفا شاطىء تغازوت بالجحيم.
الرجل (و أقول الرجل لأنه ربما كبر الآن حيث تحدث عن ذكريات شبابه مند عشر سنوات) قد يكون أصيب بغيبوبة طويلة الأمد و عندما خرج منها وجد نفسه في المكان الذي عاش فيه أحلى أيام عمره و نزوات شبابه و احلام مراهقته و انكساراته العاطفية و الوجدانية، و وجد نفسه كمن سافر عبر الزمن لسنوات إلى الأمام و لم يعد المكان هو المكان و الزمن هو الزمن و لا الجسم و قدراته غير ذلك، و امام عجزه تكرار مغامرات الماضي لم يجد سوى إطلاق لسانه و نعث المنطقة بجهنم و الجحيم.
تغازوت القرية الجميلة الهادئة التي تشد اليها الرحال صيفا و شتاء، تغازوت المناظر الخلابة و البحر الأزرق النظيف الهاديء صيفا و الموج العالي المتلاطم شتاء، تغازوت رفيقة الشمس بمعدل 300 يوم في السنة، تغازوت الجو الرائع و الطقس المستقر على طول العام، تغازوت الساحرة التي الهمت الكثيرين من المبدعين المغاربة و من الخارج الذين كانوا يترددون عليها مند فجر الإستقلال و خاصة أيام موجة الهيبيزم، تغازوت بالأمس هي نفسها تغازوت اليوم لا تتبدل لا تتغير كالصخرة الشماء صامدة عبر الأزمان. طيبة أهلها و كرمهم و تسامحهم مع كل الجنسيات التي تتوافد عليها بثقافتها و لغاتها و أديانها، تغازوت مركز التسامح و التعايش بلا أحقاد و لا ضغائن، تستقبل كل زوارها بحفاوة رغم ضيق ذات اليد و قلة الإمكانيات و التجهيزات الأساسية…
الطرق المكتضة و المزدحمة نتاج تسابق الناس للظفر بمكان للإستجمام و قضاء وقت ممتع على رمال شاطىء تغازوت بعيدا عن الجحيم الحقيقي الذي تعيشه المدن، فلو كان جحيما لترددت تلك الجحافل في إعادة الكرة و المغامرة للوصول اليها، بل إن هناك من يجد ضالته في الإستمتاع بالإزدحام المنعش و الإستجمام وسط خليط من الأجناس البشرية من مختلف الألوان و الثقافات، كمن يسرق لحظات جميلة في زحمة خاطفة، و مشاكل الطريق و الضيق و الحفر و الإكتضاض مسؤولية وزارة التجهيز و النقل و اللوجستيك و ليس لأهل تغازوت دخل بالموضوع.
و كل السلبيات التي قد يراها البعض في تغازوت هي نتيجة تصرفات غير مسؤولة لبعض الزوار، و تغازوت كما هي منذ عقود لا تتزحزح و طبيعة جوها كما هي لا تتغير و طبيعة أهلها لا تتبدل و كل ما تغير فيها مرتبط بالتغير الحاصل على مستوى سلوك بعض العينات البشرية من الذين يتوافدون عليها، فهم لا يبالون براحة الناس و المصطافين و لا يحافظون على البيئة و تجدهم يرمون الأزبال و الفضلات في أي مكان، زد على ذلك ممارسات أخرى دخيلة على تغازوت منها السرقة “كريساج” الدعارة الشذوذ الجنسي … و كلها أفعال يمارسها طرف من الزوار و لا علاقة لها بأهالي هذه البلدة، مع الإعتراف بجزء من المسؤولية لساكنة تغازوت في هذه المشاكل خاصة في مسألة كراء المنازل للعينات المذكورة.
صاحب الموضوع الإنشائي الذي كان غائبا عن المنطقة لعشر سنوات كما يدعي ربما لم يسبق له أن زار شاطىء و قرية تغازوت في الفصول الثلاثة الأخرى غير الصيف ليعرف حقيقة تغازوت و أبناء تغازوت قبل أن يحكم عليها بالجحيم، إن فعل ذلك لا أظنه سيصدر نفس الحكم، إن فعل و تمسك بعد ذلك برأيه حينها يمكنه ان يتخلص من كل ذكرياته و ماضيه الجميل مع المنطقة في مديونة أو غيرها … بعيدا عن تملاست و عن سوس.
هل يمكن لنا نحن أبناء تغازوت أمام هذه السلوكيات التي يمارسها البعض أن نعتبر أن الجحيم يأتينا صيفا عن طريق هؤلاء ؟ لا ، أخلاقنا و كرم الضيافة التي يتمتع بها سكان المنطقة لا تسمح بذلك، نتفهم ضيق البعض و عدم الرضا عن الواقع الحالي، نتفهم معاناة ضيوفنا للوصول إلى تغازوت، نتفهم المضايقات التي يتعرضون لها من طرف الكائنات السالفة الذكر، نتقبل النقد الذي ينبع من قلب صاف له غيرة على القرية العزيزة على الجميع، بعيدا عن الأحقاد و التشهير المجاني لاستهداف المنطقة سياحيا و اقتصاديا.
و على الذين يعتبرون على أن تغازوت لم تعد كما كانت و التخييم فيها لم يعد يغري إلا أن يغيروا سلوكهم و تصرفاتهم لتعود تغازوت الى سابق عهدها و يروا تغازوت على حقيقتها و يكتشفوا أن ما تغير فيها مرتبط بسلوك بعض من زوارها.