في نقاشات كثيرة ، اتهمني بعضهم بكوني أنتقد السيد رئيس الحكومة و الحكومة جورا ، أو أني أدعم جهة تدعم حكومة أخرى .. وأكدت أن الأمر غير ذلك بالمرة . صلب القضية أن الرأي و الموقف يبقى مشروعا وفق ما يسمح به المبدأ و القانون ، فلا العداء المجاني أو التهافت على إبداء الرأي زورا يجوز عليه ، ولا على غيره ، فلا بد و لا مناص من الإفصاح عن الموقف ، ارتباطا بمبدأ الحرية في التعبير ، وانسجاما مع دستور المملكة ، المحتاج إلى التنزيل الديمقراطي ، و الالتفاف حوله في شموليته ،مع احترام الحقوق في شموليتها و كونيتها .
و اليوم ، وفي سياق الأحداث المشكلة للمشهد السياسي المغربي ، و في أفق التهييء لاستحقاقات تشريعية جديدة عليها الرهان الكبير لتتمة المسار الديمقراطي ، و الحكومة الحالية في متم هوامش ولايتها ، يطلع على الرأي العام موضوع “والي الرباط الذي استفاد من أراضي الدولة بثمن بخس بمنطقة تغري كل مستثمر ، وكل الأعيان بالوطن . تفاعلت مع القضية أفواج الفايسبوك ، و المواقع الاجتماعية ، وغيرها … و تفاعلت معها وزارتي الداخلية و المالية لإعادة التذكير بخدام الدولة الأوفياء ، و الذين يعتبرون أكثر مواطنة من غيرهم . وذكرتنا الداخلية و المالية بإمكانية وطن بمواطنين مختلفين في الحق و الواجب . وهي وضعية و نازلة تستحق التنديد المبدئي . والاعتراف الذي حاولت الداخلية و المالية التبرير من خلاله استفادة والي الرباط من امتياز لا يحق لغيره أكبر من زلة النازلة بغض النضر على الحيثيات القانونية . فالواقعة في حد ذاتها تطاول على الحق في المساواة و المواطنة بين كل المواطنين ، و كل خدام الدولة الأوفياء و الأوفياء كلهم، وما أكثرهم ، رغم عدم استفادتهم من امتيازات و ريع مرخص به و معلن .
لكن و في نفس الموضوع ، ماذا كان موقف رئيس الحكومة الذي بشر بمحاربة الفساد و الريع في بداية ولايته ، و الوزيران في نفس الحكومة التي يرأسها ؟
أمر السيد رئيس الحكومة كتائبه بالصمت ، و الصمت حكمة في هذه النازلة :
فلو تعلق الأمر بمواطنين عاديين يمارسون حقهم في التعبير أو الإضراب ، لأمر بإعدام حقهم في الأجر ، وجهر بذلك جهرا ، حتى ولو استدل على ذلك بالقرآن .
ولو تعلق الأمر بإصلاح صندوق مثقوب كصندوق التقاعد لأعد العدة كما فعل ، لإجبار الموظفين و الخدام الغير أوفياء على الأداء من عمرهم و جيوبهم المثقوبة أصلا.
و لو تعلق الأمر بصندوق مقاصة لصال و جال في دفع المواطن البسيط إلى مقصلة الأداء وفق قانون الغاب الذي يحكم السوق .
و لو تعلق الأمر بمواطنين بسطاء لكانت للحكومة مواقف أخرى غير الصمت ..
و لو تعلق الأمر بتصريح منتقد في البرلمان لأطلق العنان لسانه حد التعبير وفق القاموس الذي يتقنه ” كديالي كبير على ديالك “.
فلماذا طلب بنكيران الصمت في مهرجان خطابي لشبيبته ، و الآن بالضبط ، و في هذه النازلة التي تهز الرأي العام ؟
أ لأنه يعد التكتيك لما سيأتي يوم 7 أكتوبر ؟
أم لأن السكوت علامة الرضى ؟
أم لتجاوز اتهام مناصري حزبه بالوقوف وراء تفجير القضية ؟
أم لعدم سلطته على الوالي و وزيريه في الداخلية و المالية ؟
أم هو اعتراف بعجزه على تنفيذ وعوده ووعود حكومته في محاربة الفساد ؟
كل الإجابات محتملة ، وكل الوسائل و السبل متاحة ، كي يبقى رئيس الحكومة رئيسا للحكومة ، وكي يستفيد الخدام الأوفياء من كل الامتيازات ، وكي يؤدي المواطن البسيط ثمن التجاوزات و السياسات التي ترسمها الحكومة و تشكيلاتها ، حتى لو كانت مصغرة أو بالتقسيط .