تتبعت مؤخرا ما راج في بعض الصحف الوطنية و الدولية حول ما تم اعتباره سوء التفاهم الحالي بين المؤسسة الملكية و رئيس الحكومة ، بما فيها مقال جون أفريك Benkirane en sursis ، وغيره من التصريحات و المواقف المحللة لراهنية العلاقة بين المؤسستين الدستوريتين ( المؤسسة الملكية ، ومؤسسة رئاسة الحكومة ) .
الملاحظات الأساسية أو حتى البديهية حول الموضوع هو كون النقاش لا يثار فقط من جانب الإعلام بل صار يتعداه إلى كل متتبعي الشأن السياسي بالمغرب و حتى خارجه، في سياق قراءات لتصريحات و مواقف و خرجات لرئيس الحكومة ، وما أكثرها … ومن آخرها الغياب عن حضور لقاء المناخ بطنجة الذي غاب عنه بنكيران بتبرير تنظيمه من قبل غريمه في السياسي رئيس الجهة إلياس العماري ، وأن لا علم له بحضور الأمير مولاي رشيد . ثم قبلها تصريحه بوجود حكومتين موازيتين بالمغرب ، يعرف واحدة ويجهل الأخرى ، وفي ذلك إشارة إلى عدم وضوح مؤسسات و بنيات القرار في المغرب . مع الإشارة أن بنكيران في العديد من المرات ، ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية يشير في خطابه أو يلمح إلى التهديد في حالة عدم فوز حزبه …حتى أن حزبه أجل أشغال مؤتمره العادي في انتظار نتائج الاستحقاقات لأخذ الموقف المناسب لموقع الحزب في الخريطة السياسية المقبلة . و المثير أن بنكيران يتحول في العديد من الأحيان إلى صف المعارضة في شطحات و تشكيلات متناقضة مع موقعه في المسؤولية المباشرة على تدبير الحكومة ، كخروجه في فاتح ماي مزايدا على النقابات التي لم ينجح في تدبير الحوار الاجتماعي معها في سابقة بالمغرب .
أكيد أن التناقض ، أو حتى الخلاف لم يبلغ دروته بين رئيس الحكومة و المؤسسة الملكية ، ومبدأ التناقض بين المؤسستين قد يطرح بعد الانتخابات المقبلة ، وقد يؤجل في حالة تولي حزب العدالة و التنمية رئاسة الحكومة المقبلة ، لكن المثير هو أن مناصري حزب العدالة و التنمية ، أو حتى مهندسى سياستها الإعلامية يحاولون تقوية وضعية الحزب قبيل الانتخابات ، وبذلك يضرب رئيس الحكومة كل العصافير بحجر واحد ..:
- محاولة إثبات الشرعية السياسية و الدستورية من خلال الإعلان – ولو بشكل ملتبس – عن الاستقلالية في القرار ، ومطالبة الدولة بمنح رئاسة الحكومة صلاحيات أخرى بديلة .
- إشارات متعددة تسمح للحكومة بالتنصل من مسؤولياتها بالإعلان عن وجود حكومتين ، واحدة لا تعترف بها ، وقد تكون – في نظر الحكومة – المسؤولة عن كل كبوات حكومة العدالة و التنمية .
- تبني مفهوم التحكم ، للإشارة إلى إمكانية و جود التناقض في قرارات ومسار الديمقراطية و التدبير السياسي .
- الإشارة إلى ضرورة الاعتراف بأحقية الحكومة في ولاية أخرى ، وإلا فاللعبة كلها غير سليمة .
- محاولة الابتزاز السياسي من خلال الترويج لحصيلة الحكومة و ضرورة استمرارها لإتمام مشاريعها ، في غياب تقييم صريح لحصيلتها منذ تصريحها الأول .
- التشبث بأرقام الاستحقاقات الجماعية الماضية لإثبات وضع يفترض الاستمرار، أو إعادة التفوق و التوفق في الاستحقاقات التشريعية المقبلة .
- المزايدة على المكونات الأخرى ( النقابية و السياسية ) من خلال تمرير كل المشاريع التي كانت محط جدل بين المكونات المعنية ، وآخرها ملف التقاعد .
- إثبات سياسة الأمر الواقع في العديد المحطات ، وحتى في التقصير الذي يظهر في أداء أعضاء الحكومة أو المحسوبين على حزب الأغلبية في المجالس الجهوية و الجماعية .
- محاولة لعب دور الضحية لتبرير مكامن الخلل الحاصل في الأداء الحكومي .
- التصدي لمشروعية الأحزاب المنافسة ، خصوصا حزب الأصالة و المعاصرة من خلال الإعلانات و التشهير و المقاطعة .
- اعتماد المكون الديني و الدعوي لإنتاج خطاب سياسي ، ومحاولة تبرير الأمر من خلال خلق الالتباس بين الخطاب و التحليل و الأداء السياسي …
وإذا كانت للسياسة قواعدها ، وللخطاب السياسي مبرراته ، و للتكتيك السياسي حدوده ، فإن المنطق الذي تدبر به الحكومة و طاقمها الإعلامي المساعد و المساند و الداعم ، من خلال ما يتم إخراجه من ملفات عن كواليس الحكم و التدبير من جهة ، ولتبرير تناقضات السياسة العامة للحكومة الحالية ، قد يصير من الأمور المستعصية على التدبير الحكيم بعد نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة ، حتى و إن حقق حزب العدالة و التمنية الأغلبية .
*الاحد 204 يوليوز 2016.