كانت الانظار موجهة إلى تركيا، النسخة الحديثة للدولة العثمانية في ذهن بعض من النخبة الصاعدة، عندما كان لمغرب يتحدث الى الـ»افريقيا« التي حضنت دوما من الخلافات المشرقية. …
تبين للعبد الضعيف لربه أن الصدفة تستطيع الكثير في تفسير الظواهر المعقدة ،و تخفي في طياتها الطراوة، التي فقدتها السياسة حتى ولو كانت قديمة وعصية.
هكذا أحيت عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي – التي لم تكن الحكومة على علم بتوقيتها فيما يبدو!- مصادفات رحيله من منمظة الوحدة الافريقية في عهدة الرذيس المالي يوليوس نيريري!
فقد كان آخر لقاء للمغرب في رحاب منظمة الوحدة الافريقية، هو اللقاء الوحيد الذي حضره بمعية الجمهورية العربية الاشتراكية الديموقراطية! لقاء ضم المغرب مع الدولة الشبح لمدة 3 ساعات في نونبر 1984 باديس ابيبا …
وكان الحاضر وقتها باسم الدولة -الوهم هو رئيس انفصالها محمد عبد العزيز …. مثل المغرب مستشار ملكه ، رضى اكديرة الذي تلا رسالة الحسن الثاني، والتي انصت اليها ممثل البوليزاريو من موقعه كعضو ( رقم 51 ) في المنظمة ،
وقد خرج المغرب ، بعدها وهو ينتظر »عودة ايام اكثر حكمة«، كما تنبأ بها الملك الراحل..
وخلد ذلك الخروج برسالة الملك ،وبصورة جماعية لوفده الذي ضم وقتها 140 نسمة!
عودة المغرب تزامنت مع رحيل الرجل الذي حضر معه آخر حضور في منظمة الوحدة الافريقية، وقتها الاتحاد الافريقي حاليا.. …
المصادفة الأخرى التي تليق باستحضارها، هي ما وقع يوم أمس ، بتوقيع الدول الافريقية للبيان الذي طالب بطرد البوليزاريو، بنفس العدد تقريبا الذي كان قد قاطع قمة طرابلس في 1982، عندما كان القذافي السند الرئيسي له.
حيث قاطعت دول كثيرة هذه القمة في فبراير من السنة المدكورة استجابة لدعوة المغرب…
وفي السنة الموالية ضغطت جزائر الرئيس الشادلي بنجديد على منظمة المشروع الانفصالي لعدم الحضور في القمة كي تضمن حضور الدول التي قاطعت قمة طرابلس…
ولهذا فإن ما وقع من انسحاب مغربي في القمة المنعقدة في نونبر 1984 بدا تسلسلا منطقيا في تطور الاوضاع…
هذه المعطيات ضرورية لكي تأخذ عودة المغرب بعدها الحقيقي:
أولا لا يمكن لعاقل أن يتصور عودة المغرب والبوليزاريو ما زالت عضوا في الاتحاد الافريقي…
ثانيا من المهم جدا في رمزيات السياسة أن يعود الوضع ، في الرمزيات على الأقل إلى ما كان عليه في السنة التي سبقت أو تزامنت مع دخول البوليزاريو الى منظمة الوحدة الافريقية.
وبمعنى آخر، فالدول التي قاطعت قمة التمهيد لدخول الدولة الوهم، الى المنظمة عليها أن تعطي للمغرب دليلا على بقائها في موقفها الذي عبرت عنه، كترتيب ضروري لعودته.
العودة، كانت في منطق الديبلوماسية الجديدة للدولة المغربية تتويجا لتاريخ حديث مع افريقيا.
فقط اعطى المغرب دليلا قويا على قدرته العيش بدون افريقيا المنظمة في هيئة مناهضة له، لكن افريقيا المنظمة لم تستوعب بقاءها بعيدا عن دولته المشرفة على أوروبا، والقادرة على تنويع استراتيجيتها الدولية، وربط العلاقة مع آسيا، التي تقدم لافريقيا نموذجا لتعاون لا استغلال فيه، على الأقل بالطريقة النيو كولونيالية التي عرفتها مع دول الغرب المهيمنة!
واستطاع أن يربط علاقات ثنائية تفوق في قوتها العلاقات التي ينظمها الانتماد الي الاتحاد الافريقي.
لهذا بدا في لحظة من اللحظات أن هذا الاتحاد لم يعد يهتم بافريقيا بقدر ما تحول إلى منصة ضد المغرب.
لنتذكر آخر الخطوات التي تمت باسمه ، والتي قادتها الدول المناهضة للمغرب في قضيته الوطنية، من أججل قرار أممي يعاقب المغرب…
فقد اغتنمت التوتر مع الأمين العام للأمم المتحدة وانطلقت في حملة توسيع الهوة وتكريس عزلة المغرب، بل اصبحت هي المتحدة باسم دولة الانفصال، وتبنت قضيتها كأولوية في قارة تعيش كل المآسي وليس أ قلها الارهاب!
بذلك تكون خطوة المغرب ، ملأ فراغ كان يستغل بشكل لم يسبق له مثيل ضده، بل إن قبول عضوية دولة الوهم لا يقل خطورة عن تحويل المنظمة الافريقية الى رديف لتحركات الانفصال وراعيته الدولة الجزائرية!