يواصل رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران عملية الإجهاز على القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة؛ فبعدما وضع المتقاعدين في مرمى التمديد والرفع من قيمة المساهمة، رغم المقاومة الشعبية والنقابية والسياسية من داخل وخارج البرلمان، هاهو يخرج من جديد، ومن داخل قبة البرلمان، ليعلن التوجه نحو ضرب مجانية التعليم والصحة في سابقة من نوعها في تاريخ المغرب.
لم يعد منطق بنكيران خفيا على أي جهة. فالرجل، يطبق ليبرالية متوحشة، لا ترى في الشعب سوى مجال للربح والغنيمة. ولا يهم أي شيء غير قيمة ما يجبيه من المواطنين والمواطنات،علما بأن القدرة الشرائية مهزوزة.
فكل ما بذلته حكومة التناوب من مجهودات جبارة، من أجل تعميم التمدرس، ومحاربة الهدر المدرسي، أضحى اليوم مهددا كمكاسب، وهو مؤشر على توجه بنكيران لرعاية القطاع الخاص، وإضعاف الدور الاجتماعي للدولة، ووضع مصير المغاربة رهن إشارة رأسمال واستثمارات متوحشة. ومن المعلوم أن دول العالم بأسرها تضع التعليم والصحة في الحسبان، بل تعتبرهما بمثابة خط أحمر غير مسموح –البتة- بتجاوزه، أو وضعه في مهب الريع.
لقد أمسى جليا أن التوجه الليبرالي اللاشعبي، وإرادة المؤسسات الدولية، هما المتحكمان الأولان في قرارات بنكيران، وأنه صار –فعلا- تلميذا مطيعا للبنك الدولي، يطبق تعليماته بحذافيرها ضدا على الإرادة الشعبية. وهو نموذج، جربه المغرب بداية الثمانينيات، مما أوصل البلاد إلى حالة احتقان غير مسبوقة، و إلى كوارثَ اجتماعية ،كلفت المغرب غاليا على المستوى الأمني والسياسي.
إن هكذا قرارات مثل: ضرب مجانية التعليم والصحة، ليعتبر تطاولا كبيرا على الدستور المغربي، الذي ضمن هذين الحقين، الأمر الذي يتطلب، تشكيل جبهة مجتمعية عريضة، لحماية حقوق ومكاسب الشعب المغربي ، وكذا حماية الدولة بمفهومها القانوني والدستوري، ودورها المنوط بها في خدمة مصالح الشعب العليا، وعلى رأسها طبعا أمنه التعليمي وصحته العمومية .
كان حريا بالحكومة أن تأتي ببرامج جديدة، لإنقاذ التعليم من الأزمة التي يدور في فلكها منذ سنوات، وبرامج استعجالية، لوقف نزيف تدهور قطاع الصحة، الذي لا يوفر حتى الحد الأدنى، لكنها اختارت توجها آخر يجعل مثل هذين القطاعين الاجتماعيين خارج المسؤولية الحكومية، وربما خارج القرار العمومي، هذا في الوقت الذي ينتظر المغاربة أن تتحقق أبسط أحلامهم في تعليم مواطن وصحة سليمة.
وها هي الحكومة، مرة أخرى، تنفرد بالدعاية لقرارات تتجاوز صلاحياتها، لأن التعليم شأن مجتمعي ولا يهم الأغلبية الحكومية فقط، ولا يصح الانفراد باتخاذ قرارات ضمنه، والأمر نفسه ينطبق على قطاع الصحة، خاصة وأن ثمة مؤسسات دستورية جديدة، أقرها دستور 2011 ولجان ملكية للإصلاح.
إنه لامناص من التأكيد هنا أن قطاع التعليم وقطاع الصحة موضوعان حيويان حساسان، لن يقبل المغاربة قط بالركوب عليهما وضرب مجانيتهما.