كيف يمكن أن نفسر مسلسل المجازر، التي قاربت حرب الإبادة، ضد البشر، في العراق وتركيا وفرنسا… ناهيك عما ترتكبه «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، المعروفة ب»داعش»، من جرائم ضد البشرية؟ هل يتعلق الأمر بإيديولوجية معينة، تشرع للقتل، أم أن الأمر يتجاوز هذه المقاربة، عن تفسير قتل النفس البشرية، في منطق القربان، الذي ليس غريبا عن كل الديانات والمعتقدات الدينية، منذ أن أبدعت الإنسانية، العبادة والآلهة المتعددة والإله الواحد؟

أصل كلمة القربان، أي التقرب للإله، ليس عربي، غير أن هذا المفهوم، استعمل في الديانات القديمة، حيث كانت القبائل والشعوب، تقدم القرابين للطبيعة، مثل نهر النيل، الذي كان يفيض ويأخذ الزرع والضرع، (حتى جاء الزعيم، جمال عبد الناصر، وبنى السد العالي، ليوقف الفيضان)، وتقدم كذلك القرابين للكهنة، الذين يمثلون السلطة الدينية، وينوبون عن الآلهة أو الإله…
كتاب التوراة، مليء بقصص القرابين، التي كان يقدمها الأنبياء للإله، بل إن المِحْراب، كان أقرب إلى مكان الذبح المقدس، من أي شيء آخر. علاقة الديانة اليهودية بالإله، زاخرة بالقرابين، التي هي عبارة عن ذبائح، للتقرب للإله.

و يمكن القول، إن قمة التضحية أو القربان، هي ما يمثله تصور المسيحية، لصلب المسيح، الذي ضحى، من أجل خلاص البشر. وقد اقتبس الفيلم الإيراني، حول مقتل الحسين، مصطلح «القربان»، كعنوان، علما بأن هناك دراسات كثيرة، تعتبر أن المذهب الشيعي، تأثر، كثيرا، في هندسته النظرية بالمسيحية.

فكرة التطهير والخلاص، تتقاسمها كل المعتقدات الدينية، وترتبط إلى حد بعيد، بالقرابين، من أجل التقرب إلى الله، وتتخذ مسألة إراقة الدماء فيها، مكانة محورية، حيث تتخذ عدة أشكال من أضحية حيوانية، إلى قتل البشر، إلى الاستشهاد. غير أنها تضحية لصالح الكهان، أو كما يقول محمود درويش، في قصيدته «هيا تقدم أيها القربان»؛ «إذنْ ، كن ميِّتاً – حيّاً ، وحيّاً – ميِّتاً ، ليواصل الكهّانُ مهنتَهم».

مهنتهم هي أن يدفعوا الآخرين لتقديم القربان، أي لإراقة الدماء على المذبح، من أجل الخلاص، إنها مهنة قديمة، يستفيد منها كهان العصر، الذين يأكلون الزرع والضرع، ويدفعون شبابا لممارسة الذبح الجماعي، قبل «الاستشهاد»، لشراء تذكرة الولوج إلى جنات عدن.

الحكاية قديمة، ومن الطبيعي أن تتخذ لبوسا مختلفا، حسب العصور، لكن أصلها، يمتد في الماضي السحيق، منذ أن كانت البشرية تعيش في ظلام الجهل والمعتقدات السحرية والخرافية.

*بالفصيح

        الثلاثاء 19 يوليوز 2016.

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…