دروس عدة، تلك التي أفرزتها تطورات الأحداث بتركيا الجمعة الماضي. عاش بلد مصطفى كمال أتاتورك ساعات عصيبة في مواجهة محاولة انقلاب عسكري، أخرج دبابات للشوارع، ونشر جنودا في الساحات، واستهدف وسائل إعلام … ووضع سكينا على مؤسسات، انتخبها الشعب التركي في سعي منه لذبحها ضدا على إرادة الناخبات والناخبين.

أعادت المحاولة إلى أذهان الناس هناك، ذكريات الانقلابات الأربعة، التي عانت منها تركيا منذ سنة 1960، والتي استولى فيها العسكريون على الحكم، وجلس جنرالاتهم على صدر المؤسسات، ممتطين دباباتهم، بدل صناديق الاقتراع. وكانت هناك تضحيات كبرى، ونضال مستميت، من أجل أن يعيد الأتراك هذه المؤسسات إلى الفضاء المدني والمسار الانتخابي. لذلك كان رد الفعل ليلة الجمعة الماضي الذي من بين الدروس التي أفرزها:

* التأكيد على أن الانقلاب العسكري اليوم، أصبح بمثابة الزج بالبلد، أي بلد داخل ثكنة، وتجريد الإرادة الشعبية من حقها في الاختيار. وبالتالي، فإن مناهضته تعد قضية مبدئية بدون تردد ولا انتظار، وذلك ما قام به الشعب التركي طيلة الساعات التي عاشها بلده في مواجهة الانقلابيين.
* أعربت النخبة السياسية بكل أطيافها، أحزابا وفاعلين، أغلبية ومعارضة عن رفضها للانقلاب، ومساندتها للمؤسسات المنتخبة في الاستحقاقات الأخيرة. وضمن المؤسسة العسكرية، بادر العديد من قيادييها إلى الانحياز إلى هذه المؤسسات، قصد حمايتها ومساندتها لإفشال الانقلاب.
* لم تر هذه النخب في المحاولة، فرصة لتصفية الحسابات مع خصم سياسي، تختلف معه إيديولوجيا وسياسيا واقتصاديا، لكن بالرغم من هيمنته على الهيئة الناخبة، فإن قناعاتها بالمسار الانتخابي، لم تتزعزع أو تتسرب لها انتهازية اللحظة، كي تزيح خصمها السياسي من المؤسسات المنتخبة.
* خرج الشعب التركي يحمل أعلام بلده، تعبيرا منه عن حماية الخيار الانتخابي، وحاصر الانقلابيين، جنودا وقطعا حربية، بل ووضع العديد من المتظاهرين أجسادهم أمام الدبابات مرددين: لن تمروا إلى الحكم إلا على أجسادنا.
* توجه الأتراك بكثافة أمام مبنى البرلمان، الذي يعبر عن إرادتهم، ويمثل أعضاءه أصواتهم المدلى بها في اقتراع قبل بنتائجه الجميع. وفي اللحظات الأولى لشيوع خبر المحاولة، التحق البرلمانيون بمؤسستهم، بالرغم من مصاعب الأوضاع والحواجز التي نصبت في الشوارع.
* لم تقف المؤسسات الإعلامية موقف المتفرج في ما يحدث، ولم تصفق للانقلابيين، وتعزف على إيقاع بياناتهم، بل انخرطت مع الشعب في الدفاع عن المؤسسات المنتخبة. وحدها وسائل إعلام عربية تلفزية وصحافة مكتوبة، هللت ودبجت صدر نشراتها وصفحاتها بعناوين مرحبة بالمحاولة الانقلابية.

لقد خط الشعب التركي واحدة من أهم صفحات نضاله في تلك الساعات الموزعة بين الجمعة والسبت. وشاهد العالم لحظة بلحظة فقرات هذه الصفحة التي تتضمن دروسا بليغة، تتمحور في أن الإرادة الشعبية التي تكرسها الممارسة الديمقراطية، هي السند والجدار الصلب الذي يقف في وجه الانقلابات وأيضا في وجه كل من تسول له نفسه العبث بهذه الإرادة.

رسالة الاتحاد

*الاثنين 18 يوليوز 2016.

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…