ونحن على مشارف نهاية ولاية حكومة بنكيران (مع الإشارة إلى أن هذا الأخير يسعى إلى انتزاع ولاية ثانية “صحة” وبكل الطرق إلا طريق انتخابات نزيهة ونظيفة، فيما يبدو- وإلا لكان قد استجاب للاقتراحات القانونية والإجرائية التي قدمها الاتحاد الاشتراكي والتي ترمي إلى ضمان أكبر قدر من الشفافية والنزاهة في العملية الانتخابية-؛ وهكذا، لجأ- تجاه الدولة، طبعا- للتهديد والوعيد، تارة، والابتزاز والمساومة، تارة أخرى…)، أصبح سؤال الحصيلة الحكومية يفرض نفسه ويستحث الجواب من الفاعلين، كل من موقعه.
ومن موقعي كفاعل سياسي، أرى أنه، للتعرف على الحصيلة الحكومية والاطلاع عليها بشكل دقيق وموضوعي، لن ينفعني (ولن ينفع أمثالي)النظر في ما تقدمه الحكومة من “إنجازات” (وهي، في أغلبها، إجهاز على المكتسبات)- خاصة وقد عوَّدتنا على الكذب البواح والصراح، وعوَّدنا أتباعها على تبرير كل شيء، بما في ذلك ما لا يبرر، باسم الموضوعية المفترى عليها (انظر، مثلا، “حصيلة الحكومة المغربية: من أجل تقييم موضوعي”، عبد العالي حامي الدين، “أخبركم”، 10 يوليوز 2016)-، بل لا بد من الاطلاع على ما تنتجه المؤسسات المتخصصة، الحكومية منها والتمثيلية (الاستشارية)، من تقارير عامة أو موضوعاتية، حتى يمكن تكوين رؤية واضحة ودقيقة على ما آل إليه الوضع العام الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والثقافي والحقوقي وغيره، في عهد هذه الحكومة .
صحيح أن المواطن الذي يئن تحت وطأة قلة ذات اليد واستعار حمى الأسعار وارتفاع نسبة البطالة واستشراء مظاهر التدهور الاقتصادي والاجتماعي وتفاقم حدة الهشاشة، لا يحتاج إلى تقارير لكي يدرك حقيقة هذا الواقع المر الذي هو غارق في أتونه إلى أذنيه.
لكن التقارير التي تنجزها، بمهنية وعلمية، المؤسسات الرسمية للدولة والتي لا يمكن التشكيك في مصداقيتها ودقة معطياتها(المندوبية السامية للتخطيط، بنك المغرب، المجلس الأعلى للحسابات)، تخرجنا من الانطباعية ومن الأحكام الجزافية وتضعنا أمام المرآة العاكسة لواقعنا الحقيقي.
ودون مبالغة، يمكن القول بأنه يكفي الاطلاع على ما يكتب على هامش هذه التقارير حتى نضع أيدينا على قلوبنا من خطورة الأزمة التي يعاني منها الوضع الاقتصادي والاجتماعي بفعل التدبير الحكومي المتهور والمستسهل للأوضاع والمغرق في التناقضات (تقشف في الاستثمار والنفقات على القطاعات الاجتماعية وتبذير في التسيير: سيارات الخدمة الفخمة، تعويضات المهام السمينة، الخ) لافتقار الجهاز الحكومي لرؤيا مستقبلية واضحة ولغياب روح الإبداع والمبادرة الخلاقة عند هذا الجهاز.
وقد توصلت تقارير منظمات المقاولين والأبناك وعدة مؤسسات أخرى إلى نفس النتائج التي توصلت إليها المؤسسات الرسمية المذكورة أعلاه، فيما يخص الوضع العام ومظاهر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد.
ويأتي تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (وهو مؤسسة دستورية تضطلع بمهام استشارية لدى الحكومة ومجلسي البرلمان، وتدلي برأيها في القضايا ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي )، وهو يقدم حصيلة آخر سنة في حكومة بنكيران، ليؤكد الإجماع الحاصل حول تردي الأوضاع بالبلاد؛ حيث قدم صورة قاتمة على الظرفية الحالية، وبالأخص الاجتماعية منها.
ولن تكتمل الصورة، عند المهتم، إلا بالاطلاع على التقارير الدولية التي تقدمها (بشكل دوري، ولا تخص بلدنا وحده) المنظمات الرسمية وغير الرسمية، الحكومية وغير الحكومية، المهتمة بقضايا التنمية بكل تفريعاتها والقضايا الاجتماعية بكل تعقيداتها وقضايا حقوق الإنسان بمعناها الواسع.
ومهما قد يكون مبالغا في هذه التقارير؛ ومهما قد يكون مشكوكا في مصداقيتها؛ ومهما اتهمناها كلها أو بعضها بعدم الحيادية أو عدم الشفافية…، فإنه لا يمكن تغطية الشمس بالغربال أو التصرف كالنعامة بدس الرأس في الرمال. فلا دخان بلا نار، كما يُقال. والصورة التي يقدمها عنا الآخرون، وبالأخص المؤسسات ذات المصداقية، يجب أن تحفزنا على تطوير الإيجابيات والعمل على تفادي السلبيات، وليس مهاجمة هذه المؤسسات بحجة أنها غير موضوعية أو غير أمينة، الخ.
فإذا أخذنا، مثلا، أحدت تقرير صادر عن البنك الدولي (وهو إحدى الوكالات المتخصصة في الأمم المتحدة التي تعنى بالتنمية)، فالمغرب قد تأخر نصف قرن في التعليم في عهد حكومة “بنكيران” (انظر “زنقة 20″، 16 يونيو 2016). وقد كشفت المؤسسة المذكورة عن تأخر المغرب عن أقرب جيرانه من حيت مستوى العيش وفي التربية والتعليم والتكوين.
وأشار البنك الدولي إلى “أن المغرب يوجد في مرتبة خمسين سنة من التأخر ليس في مستوى المعيشة مقارنة بأقرب جيرانه في الشمال الأفريقي فحسب، وإنما في إمكانيات خلق فرص شغل جديدة وفي تحسين مستوى التعليم والتكوين المؤدي إلى هذا الشغل”؛ وقد عرَّج التقرير المذكور”على مجموعة من المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد المغربي الذي يتسم بالضعف والهشاشة، وانتشار الفساد والريع وغياب المحاسبة والتنافسية الحقيقية”(وتتفق على هذا الأمر جل، حتى لا نقول كل، التقارير الدولية)، معيبا على حكومة بنكيران “عجزها عن خلق مناصب الشغل وتحسين مستوى العيش عند الفئات الفقيرة” ( المرجع السابق).
وإذا أضفنا إلى هذه اللوحة السوداء الصورة القاتمة التي تقدمها بعض التقارير الدولية عن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب في عهد هذه الحكومة، ندرك كم تراجعت بلادنا وكم تدهورت أحوالنا في هذه الخمس سنوات من حكومة بنكيران.
وقد مس هذا التدهور والتردي كل مناحي الحياة ونال من كل الفئات إلا الأغنياء والمسؤولين الكبار(رسميين ومؤسساتيين) الذين يحضون من “بنكيران” بكل الرضا والعطف الذي يترجمه بالإغداق عليهم من المال العام (زيادة “الشحمة في ظهر المعلوف”)، في حين يكون قتورا مع الموظفين الصغار والمتوسطين وشحيحا على القطاعات الاجتماعية المنتجة للثروة البشرية.
فكل المعطيات الموضوعية والملموسة وكل التقارير الوطنية والدولية ذات المصداقية تؤكد، إذن، فشل هذه الحكومة التي يقودها السيد “عبد الإله بنكيران” الذي لم يقنعني، يوما، سواء بخطابه أو بسلوكه أو بأخلاقه أو بثقافته…أو بإنجازاته، أنه رجل دولة وأنه أهل للمسؤولية التي هو مؤتمن عليها دستوريا(وقد كتبت هذا غير ما مرة).
وأعتقد أن “بنكيران” قد ضيَّع على المغرب- بإجهازه على العديد من المكتسبات التي حققها الشعب المغربي بفضل تضحياته، وبركوبه على صهوة بهلوانياته وبانغماسه في معاركه الدونكيشوطية وبتعطيله الدستور أو إفراغه من مضمونه الإيجابي عند التطبيق، أو… أو…- فرصا ثمينة لتعزيز بنائنا الديمقراطي الفتي.
فبدل أن يتمثل مضمون خطاب 9 مارس وروح دستور فاتح يوليوز 2011، بهدف ترسيخ الآليات القانونية والمؤسساتية الكفيلة بتمنيع نظامنا الديمقراطي، راح يختلق معارك مع كائنات وهمية (تماسيح وعفاريت) ويتخذ قرارات مجحفة وجبانة لكونها تضر بالفئات الهشة (ومع ذلك، ينعتها أتباعه بالشُّجاعة) ويأتي أفعالا وأقوالا تسيء للبلاد والعباد. لذلك، فلا أجد، في حقه، أنسب من قوله تعالى: “وكان أمره فُرُطًا”.
وسواء رأينا في “الفُرُط” التفريط (أي التقصير أو العجز) أو الإفراط (أي المجاوزة للحد، قولا، من قبيل التفاخر والتعالي، أو فعلا، من قبيل الظلم والاعتداء؛ وفي ذلك، مخالفة للحق)، أو رأينا فيه الإسراف والتضييع المؤدي، لا محالة، للضياع والهلاك، أو غير ذلك من التفسيرات والتأويلات التي يمكن أن نجدها في كتب التفسير (تفسير القرآن الكريم)، فإنها معاني كلها، أو على الأقل، أغلبها، يصلح للحكم على “بنكيران” وحكومته وحزبه الذين ضيَّعوا خمس سنوات من عمرنا الديمقراطي وعادوا بنا القهقرى إلى ما يشبه سنوات الجمر والرصاص.
*الاحد 17 يوليوز 2016.