رغم البعد الخطير، فكريا وسياسيا، والتردي الأخلاقي، الذي تتضمنه الحملات، التي تقوم بها الكتائب الرجعية، في الشبكات الاجتماعية، إلا أن الأمر الوحيد، الذي يمكن أن نطلق عليه، تجاوزا، نعت «الإيجابي»، هو أنها تعري الوجه الحقيقي، لأصحابها، وخاصة للجهة التي تقف وراءها، حيث يسقط القناع، وينكشف العمق التكفيري والإرهابي، الذي يتحكم، حقيقة، في توجهها، رغم مساحيق الاعتدال والوسطية، التي تحاول ترويجها، في إطار مذهب «التقية».
و يكفي أن يتصفح المرء، تعليقات أعضاء هذه الكتائب، في صفحات الفايسبوك، ليكتشف أي نوعية من البشر يمثلون، وما هي ثقافتهم، وأخلاقهم، ومرجعياتهم، واللغة التي يستعملون، والظروف النفسية التي تتحكم فيهم.
سيكون هذا التمرين مجديا ومفيدا للباحثين، في عدد من التخصصات، للتعرف على طينة من البشر، امتهنت السب والقذف والتشهير، باسم الإسلام، لغتها تفوح برائحة كريهة، من كثرة استعمالها، لكلام المرحاض، هاجسها هو ترويج مصطلحات سوقية، لا تختلف عن منهاج زعمائها، الذين يتبجحون بالشعبوية، كنموذج ناجح في التواصل، وهو أسلوب معروف، لدى كل الديماغوجيين، عبر التاريخ، الذين يلجأون للتمييع، من أجل تجنب الخوض في عمق المواضيع، ومقارعة الحجة بالحجة، وبالدليل العلمي…
الكتائب الرجعية، التي تنشط في الشبكات الاجتماعية، لها هدف واحد، هو الترهيب الفكري، في انتظار تمكن أولياء أمرها، من مقاليد الأمور، للانتقال إلى تطبيق «الشرع»، كما تتصوره كل التيارات الأصولية، والذي لا يختلف كثيرا عن نموذج تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش».
لذلك لا يجب الاستغراب من العنف اللفظي، الذي تمارسه الكتائب، فالعنف يدخل في صميم تكوينها الذهني والنفسي، ولا يجب الاستغراب، من اتهام المختلفين فكريا معها، بالكفر والزندقة والفساد والعمالة والارتزاق، ناهيك عن توظيف لغة غوغائية، نتنة، تكشف انعدام القيم الأخلاقية، لدى مستعمليها.
ظاهرة الكتائب الإلكترونية، فريدة، في تاريخ التواصل الاجتماعي، لأنها وظفت وسيلة ثورية في الإعلام والاتصال، لصالح مرجعية متخلفة ، رجعية، تضرب العقل في الصميم، وتنفر من الحوار الجدي والمثمر، لتعوضه بالتضليل والكلام النابي وتحريف النقاش، لأنها لا حجة لديها، تتحين الفرصة للذبح، وفي انتظار ذلك، تفرغ شحنتها من العنف، في تعليقاتها البذيئة والتكفيرية.