ضخت البوليساريو كميات ضخمة من الأوهام والأباطيل في بيان مؤتمرها الاستثنائي، دبّجته بعبارات منقرضة، ورسمت فيه آفاقا بلا أفق، ومجدت فيه النظام الجزائري، وأضفت عليه هالة من القدسية، لأنها تعلم علم اليقين أنه صانعها، ومحتضنها، ومنصب أمينها العام الجديد، ورئيس جمهوريتها الوهمية .
بيان المؤتمر، هو حلقة من حلقات متتالية، بعد وفاة محمد ولد عبد العزيز نهايةَ ماي، بعد أن أمسك بالمنصبين معا، منذ أربعين سنة، حول فيها مخيمات تندوف إلى معتقل للآلآف من الناس، المنحدرين من الأقاليم الصحراوية، ومن دول جنوب الصحراء الكبرى، وفرض فيها ديكتاتوريته التي سعت إلى التنكيل بأي صوت معارض، ونشر في أرجائها معتقلات، أشهرها الرابوني ذائع الصيت.
وقد فضحت ضحايا هذه الأوضاع حقائقُ مايجري هناك. ونشير في هذا الصدد، إلى ما نشرته جريدة الاتحاد الاشتراكي طيلة شهر رمضان، من حلقات، لمنسق تيار”خط الشهيد”، حيث كشف فيها عن بعض ممارسات قيادة البوليساريو.
من بين حلقات مابعد وفاة ولد عبد العزيز، تنصيب الجزائر شخصا لقيادة البوليساريو، تربى بين دواليب مخابراتها وحملته بحقائبها الدبلوماسية، قبل أن تهربه من اسبانيا، عندما استشعرت بأن القضاء الإسباني سيلاحقه كمجرم حرب . ومن حلقات نفس المسلسل، إيهام الرأي العام الدولي، بأن وفودا دولية «وازنة» تحضر المؤتمر الاستثنائي …
وطيلة مسار هذا المسلسل، نشر كتاب أعمدة بوسائل إعلام تدور في فلك جبهة البوليساريو حقائق ترسم بعض أوجه ماتعرفه المخيمات، وما يعانيه المتواجدون بها، وما تمارسه الجبهة، هذه بعض المقتطفات :
“من غير المعقول أن نظاما كان يتحكم في نوعية الوجبات الغذائية لمواطنيه قبل سنوات، يمكنه أن يتنازل، ويسمح لهم باختيار رئيسهم “.
“موضوع “الخلافة ” قد حسم أدبيا، ونهائيا، ولم يبق إلا «الترسيم» الشكلي والبروتوكولي . ترشيح الأمانة لأحد أعضائها “استباقيا “، سابقة خطيرة في تاريخ الحركة (…) تنزل بسبق التمثيل الشعبي والجماهيري إلى حضيض الفلكور الفج”.
« (كانت) تتم عملية خداع سلفكم (الخطاب موجه للأمين العام الجديد) من بعض الخبراء في تزييف الحقائق، وصناعة انتصارات من العدم . وقد يذهب بعضهم إلى حد إيهامكم بأن الحزب الجمهوري بدولة”ميكروديسا” أعلن عن تأييده للقضية الصحراوية، رغم أنه لاتوجد في العالم دولة بهذا الإسم».
هذه شذرات من مقالات عشية المؤتمر الاستثنائي وغيرها كثير وفاضح للأوضاع. وتؤكد عددا من الحقائق :
أولا ؛ أن الجزائر تمسك بكل ماأوتيت من قوة بورقة البوليساريو، ولا تعترف بأي إرادة لأعضائها ولساكنة المخيمات .
ثانيا ؛ أن حالات تذمر واسعة وأوضاع اجتماعية صعبة، سببها الجزائر، التي تجثم بمخابراتها ومؤسستها العسكرية على صدر هذه المخيمات .
ثالثا ؛ أن هناك قناعات واسعة لدى كل الفئات بمخيمات تندوف، بل وأطر البوليساريو، بأن لا أفق لما تروج له الجزائر، لأنها تستعمل ورقة الصحراء، خدمة لأجندتها السياسية لاغير .
رابعا ؛ أن الجزائر حرمت أطفالا من طفولتهم، وشبابا من متعة الشباب، وأسرا من الدفء العائلي، وزجت بهم في حقل أوهام منذ أربعين سنة .
خامسا ؛ أن لاقدرة للشخص الذي نصبته الجزائر في التعبير عن إرادته، والبحث عن حل سياسي، لإنهاء هذا النزاع المفتعل .
إنها حقائق ليست بالجديدة، ولكن المؤتمر الاستثنائي أكدها من جديد.