شنت الأوساط الرجعية، من مختلف التيارات والمنابر، حملة واسعة، حول تغيير إسم مادة «التربية الإسلامية»، إلى «التربية الدينية»، معتبرة أن ما حصل خرق سافر للدستور، وإساءة لإمارة المؤمنين، بل هناك من وصفها ب»الفتنة»، محملا المسؤولية لوزارة التربية الوطنية.
بداية هذا السجال إنطلقت منذ اجتماع وزاري بالعيون، حيث أعطي الملك محمد السادس، التعليمات لوزيري التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية، لمراجعة مضامين ومقررات ومناهج، ما سماه بلاغ الديوان الملكي، ب»التربية الدينية»، حتى تتوافق مع القيم الإسلامية السمحة وتنحو في اتجاه الوسطية والإعتدال والتعايش مع الحضارات الإنسانية.
هناك هيأة تسمى «الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية»، تقود هذه الحملة، وتنذر المغاربة، بتهديد محدق بعقيدتهم ودينهم، بسبب تغيير اسم المادة المذكورة، وتروج عبر وسائطها حملة توقيع، ضد التغيير الحاصل من «الإسلامية» «للدينية»، وهي جمعية، يشارك فيها بكثافة، أعضاء حزب العدالة والتنمية، وتقوم بدور سياسي، تحت غطاء الدفاع عن التربية الإسلامية.
والحقيقة التي لا يمكن التستر عنها هي أن هناك صراع سياسي وفكري، واضح في هذا الجدل، حيث أن تغيير إسم هذه المادة، جاء مرتبطا أيضا بضرورة تغيير مضامينها ومناهجها، لذلك فالرجعيون، من كل المنابر، مٌحقون عندما يعتبرون أن تغيير التسمية، ليس أمرا بريئا، بل يحمل دلالات، كانت واضحة في البلاغ الرسمي، أي ضرورة وضع حد لمضامين ما يلقن لعقول بناتنا وأبنائنا.
هذا هو مضمون الجدل الذي ينبغي أن يثار، وليس الإختباء وراء الدستور وإمارة المؤمنين، فهذه المؤسسات لا تصوغ البرامج والمقررات، وإنما تحدد الخطوط العامة للتوجه الذي ينبغي أن تسير فيه البلاد. ما هو مطروح الآن، هو ألا يمكن مراجعة مقررات مليئة بمضامين متخلفة، ورثناها من الماضي، وظلت غير خاضعة للإجتهاد والبحث العلمي والمناهج العقلانية؟
مادة التربية الإسلامية، كما تم تدريسها لحد الآن، ظلت بعيدة عن كل المواد الأخرى، المدرجة في المقررات، من فلسلفة وتاريخ وعلوم ورياضيات وغيرها، من المواد التي تتطلب إعمال الفكر. عندما يدخل التلميذ للقسم في حصة التربية الإسلامية، عليه أن يترك عقله، في محفظته، ويستمع إلى تلقين بدائي، لمادة من المفترض أن تكون مشوقة تخاطب النفس والعقل، وتسمو بالروح، منفتحة على العالم وعلى حضاراته وثقافاته ودياناته، من أجل تربية دينية، شاملة، تخرج به من قمقم عذاب القبر، إلى عالم القيم والمٌثل الإنسانية والأخلاقية، الأرحب والأوسع.
لذلك يمكن القول، إن الرجعيين، صدقوا، عندما خافوا على تغيير التسمية، ليس لأنهم مقتنعون ب»تهديد» محدق بالهوية والعقيدة، بل لأنهم متخوفون على فقدان رأسمالهم السياسي، وليست الحملة الحالية، التي يقومون بها حول هذا الموضوع، سوى جزء من حملة إنتخابية بامتياز.