تزايد في الاونة الاخيرة تنبيه المواطنين المغاربة للأجهزة المنتخبة عبر التصدي لمختلف القرارات التي تكون غير صائبة و المبنية على العشوائية والمزاجية ، والناتجة اساسا عن غياب مخطط استراتيجي تشاركي الامر الذي يهدر معه المال العام و تضيع عامل الزمن التنموي والانحراف على الاهداف المتوخاة من طرف هذه المؤسسات ، الامر الذي سينعكس سلبا على حقوق الاجيال الحالية و اللاحقة ، و يضعف تنافسيتها ومسايرتها ركب التقدم المتسارع لمحيطها الدولي الذي لا يرحم المتأخرين ..
فإذا كانت المظاهرات و الاحتجاجات هي ابرز المظاهر التقليدية للتعبير عن عدم الرضى عن اداء المجالس المنتخبة الى جانب الصحافة و مواقع التواصل الاجتماعي ..إلا انها لا تملك الصفة الالزامية لتصحيح الاوضاع ، سوى خلق نوع من الضغط الذي قد يفضي او لا يفضى الى حلول متوافق عليها ، كما انه قد يطول في الزمن حسب رغبة صانع القرار السياسي الذي يقيس حجم المشكل حسب سلطته التقديرية حتى يأخذه بعين الاعتبار في اجندته السياسية…
الامر الذي يطرح معه اشكالية البحث عن البدائل القانونية الممكنة و التي تمكن المجتمع المدني من المشاركة الديمقراطية الفاعلة في صنع و اتخاذ القرار خصوصا على المستوى الترابي لكونه يقدم خدمات القرب الاساسية ، الشيء الذي يجعل هذا المعيار من المؤشرات الاساسية لمعرفة مدى حكامة المجالس المنتخبة في التدبير على مستوى الجماعات الترابية .. فما هي اذن المستجدات القانونية المؤطرة لقواعد الحكامة و المقاربة التشاركية ؟ وهل لهذه المجالس الارادة الحقيقية في حسن تفعيل الاليات التشاركية و قواعد الحكامة ؟ وما هي الضمانات التي تحفظ ممارسة حق مشاركة المواطنين في تدبير شؤونهم و اتخاذ القرارات المناسبة لهم ؟ هذه الاسئلة التي سنتطرق للإجابة عنها في ثلاث اجزاء.
الجزء الاول : المستجدات القانونية المؤطرة لقواعد الحكامة و المقاربة التشاركية في ضوء دستور2011 و القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات.
شكل دخول دستور 2011 حيز التنفيذ رجة قانونية من خلال خلقه مرحلة انتقال قانوني عبر صدور مجموعة من القوانين التنظيمية المكملة له ، منها تلك المتعلقة بالجماعات و نصوصها التطبيقية التي صدر بعضها و بعضها لم يصدر بعد ، و ما يهمنا هو كون هذا التغيير خلق نوع من الغموض و مجموعة من التأويلات لهذه القواعد القانونية سواء لدى المجالس المنتخبة او مكونات المجتمع المدني هذا الاخير الذي اصبح بمقتضاها فاعلا اساسيا في انشاء و اعداد السياسات العمومية خصوصا على المستوى الترابي – لم اقل المحلي لكون الدستور اعتمد مصطلح الجماعات الترابية بدل الجماعات المحلية ، القروية او حضرية – فجاء في الفصل 135 من الباب التاسع ان ” الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات و العمالات و الاقاليم و الجماعات ، وهي اشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام ، و تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية…”
و تعتبر الفصول 136 و 139 من الدستور القواعد القانونية الاساسية التي تكرس المكانة و الادوار الجديدة التي يجب على المجتمع المدني القيام بها ، و حث المجالس المنتخبة على الاخذ بها ووضع اليات تؤمن المشاركة الفعلية لساكنة في تسيير شؤونها ، حيث جاء في منطوق الفصل 136: “يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن؛ ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة” اما الفصل 139 فجاء فيه: ” تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى ، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها. يُمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض ، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله “. الى جانب الفقرة الاخيرة من الفصل 146من الدستور الداعية الى ضرورة اعتماد بقانون تنظيمي بصفة خاصة قواعد الحكامة في التدبير جاء فيها : “.. قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدءا التدبير الحر ، و كذا مراقبة تدبير الصناديق و البرامج و تقييم الاعمال وإجراءات المحاسبة .”
ولقد تم التطرق فعلا للمقاربة التشاركية و الياتها في القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية خاصة رقم 113.14 في المواد 119 و120 من الباب الخامس و التي تحدد الاليات التشاركية للحوار و التشاور..ثم المواد 121 و 122 و 123 و 124 و 125 من الباب السادس الذي حدد شروط تقديم العرائض من قبل المواطنين و المواطنات و الجمعيات . اما قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدءا التدبير الحر فجاءت في القسم الثامن من المادة 269 الى المادة 274.
و تبقى اهم ملاحظة يمكن اثارتها في مجال الاليات التشاركية هو ان المشرع ترك امر تنظيمها من اختصاص القوانين الداخلية للمجالس وإرادتها الامر الذي قد يترك مجالا للتحكم فيها و في تفعيلها على ارض الواقع ، ثم انه رغم انها اليات تشاركية إلا ان المشرع حصر دورها في الحوار و التشاور فقط ، و شتان بين المقاربة التشاركية وبين مجرد الحوار و التشاور والمساهمة في اعداد برامج العمل .. وعدم الزام المجالس بمقترحات هيئات المجتمع المدني ..
و نفس الملاحظة بالنسبة لهيئة المساواة وتكافؤ الفرص و مقاربة النوع ترك لهذه المجالس تحديد كيفيات تأليفها و طرق تسييرها الامر الذي سيؤثر سلبا في طرق اختيار ممثلين داخلها بشكل ديمقراطي و نزيه ، حيث ستقوم الاغلبية التي تحكم المجالس من فرض اتباعها و المصادقة عليهم مما يفرغ هذه الهيئة الموضوعاتية المحايدة من القيام بالدور المنوط بها حيث تتحول الى مجرد جزء تابع للأغلبية المسيرة للمجالس .
ورغم دلك كله فإن اراءها و توصياتها ليست ملزمة للمجلس نظرا لكونها مجرد هيئة استشارية ليس إلا ..اما فما يخص العرائض فرغم ان الباب السادس من القانون التنظيمي 113.14 حدد شروط و كيفيات تقديمها فإلى حدود الساعة لم يصدر بعد النص التنظيمي الذي يحدد شكل العريضة و الوثائق المثبتة التي يتعين ارفاقها بها ..
هكذا يتبين لنا ان تفعيل قواعد الحكامة المتعلقة بحسن التدبير الحر حسب مدلول المادة 269 تكمن في تكريس قيم الديموقراطية و الشفافية و المحاسبة و المسؤولية ، وهو ما يستلزم العمل على تقوية دور المجتمع المدني من خلال منحه صلاحيات قانونية اوسع تضمن له المشاركة الفاعلة بدل الخضوع للسلطة التقديرية للمجالس المنتخبة و اراداتها ، وهو ما سنتناوله في الجزء الثاني انشاء الله.