في سابقة بالمغرب ، أزيد من 15000 من نساء و رجال التعليم يغادرون المهنة في إطار التقاعد النسبي برسم سنة 2016 . الرقم له من الدلالات ما يكفي ليعبر و يؤشر على الوضع الذي يعيشه القطاع و المدرسة العمومية راهنا .
و إذا كان الخوض في ملف التعليم و المدرسة العمومية المغربية يتطلب أكثر من مقال ، نظرا لأهميته أولا ، وللمشاكل و المعيقات التي يتخبط فيها منذ سنين ثانيا ،و للسياسة المنتهجة من قبل الوزارة الوصية و الحكومة في تدبيره ثالثا …، فلا بأس من تسليط الضوء ولو جزئيا على ظاهرة ” الهروب الجماعي للأطر التعليمية ” أو التقاعد النسبي الجماعي الأخير ، وهنا لا بد من الوقوف و التطرق – باختصار شديد – إلى المحاور التالية :
- الأسباب .
- التأثير.
- الحلول و البدائل الممكنة و المرتقبة .
1 ) الأسباب :
أسباب كثيرة و متعددة يمكن أن تؤدي إلى النتيجة التي يعيشها قطاع التعليم العمومي بالمغرب ، و بالتالي إلى واقعة التقاعد النسبي الجماعي التي نعيشها هذه السنة ، ومن أهمها :
- تردي واقع المدرسة العمومية ، ووضع العاملين بالقطاع ، مدرسين و أطر إدارية و هيأة المراقبة و التأطير . فبعد فشل كل الإصلاحات التي تم تبنيها – على الأقل منذ التوافق على الميثاق الوطني للتربية و التكوين – ، وآخرها البرنامج / المخطط الاستعجالي الذي تم إيقاف العمل به في بداية ولاية الحكومة الحالية بمبررات غير مقنعة ، ولم يأخذ حقه في التقييم و المتابعة ، رغم الكلفة الباهظة و الميزانية الكبيرة التي رصدت له و أنفقت عليه .
- تجميد وضعية ترقي العديد من الأطر التربوية بعد رفض الحكومة تنفيذ الاتفاق القاضي بإحداث درجة استثنائية .
- عدم تنفيذ وعد الحكومة و الوزارة الوصية باعتماد تعويضات مادية على المناطق النائية .
- ضعف البنيات التحتية بالمؤسسات التعليمية بشكل لم يعد يسمح للأطر التربوية بالاستقرار و أداء الواجب المهني وفق الشروط الأساسية .
- أما السبب الرئيس و المباشر فيبقى هو نظام التقاعد الجديد الذي تصر الحكومة على تنزيله قسرا و بتوافقات غريبة ومشبوهة ، وآخرها تمريره بمجلس المستشارين بأغلبية و جلسة تثير الكثير من التساؤلات سنعود للتفصيل فيها مستقبلا .
فالمشروع الجديد للتقاعد يهدد مستقبل كل الموظفين بمن فيهم أطر التعليم ، فاحتساب 2% على مجموع سنوات العمل للمستفيد من التقاعد النسبي و المعمول بها حاليا ستصير 1.5 % و 2% في حالة التقاعد النهائي بدل 2.5 % ، إضافة إلى رفع سن التقاعد إلى 63 سنة ، واحتساب معدل الراتب لأكثر من 8 سنوات عوض اعتماد الراتب الأخير للمتقاعد . وهذه أسباب وحدها كافية لإرغام عدد كبير من الأطر على الهروب من جحيم المهنة و أهوال المستقبل الغامض ، و الاكتفاء بالمكتسبات الهزيلة الراهنة .
2) التأثير :
لا شك أن لهذه الوضعية تأثيرات سلبية مستقبلا على وضع و مسار و مصير المدرسة العمومية . و الأرقام تتحدث عن نفسها ، ف 15000 مغادر ينضاف إلى الخصاص الكبير المسجل منذ سنوات ، وعدم تمكن الوزارة من إعادة توزيع و انتشار الأطر بشكل عقلاني وواقعي ، سيشكل عائقا حقيقيا أمام أداء المدرسة العمومية ، مما سيزيد من المشاكل المرتبطة بها ، كظاهرة الاكتظاظ ، وترك متمدرسين بدون مدرس ، ومؤسسات تعليمية بدون أطر إدارية مسيرة ، وارتفاع نسبة الأقسام المشتركة في العالم القروي ، وضعف المردودية و جودة التعلمات عموما ..
ومن شأن هذا الوضع المتأزم أن يرغم الآباء إلى ترحيل أبنائهم – رغم الكلفة المادية و ضعف الإمكانيات – إلى التعليم الخصوصي الذي يعاني هو الآخر من العديد من الإشكالات البنيوية ، وهذا الحل يخص المدن فقط . أما بالنسبة للعالم القروي الذي لا تتوفر به إمكانية التعليم الخصوصي ، فمصير المتعلمين يبقى مفتوحا على المجهول .
3) الحلول و البدائل الممكنة و المرتقبة :
يصعب التكهن بالحلول التي قد تقترحها الحكومة للحد من التأثير السلبي للتقاعد النسبي الجماعي الذي عرفته منظومة التعليم ، فعادة هذه الحكومة أن تفاجئ الجميع بتخريجات خارج سياق الموضوعية و المنطق . لكن لا بد أن نشير إلى بعض الحلول الترقيعية التي قد تعتمدها :
- التمادي في فرض أقسام مكتظة .
- التغاضي على الخصاص المهول في أطر الإدارة و التسيير ، خصوصا في الإعدادي و التأهيلي .
- الاعتماد على ” تخريجة ” مشروع التوظيف بالعقدة ، و الذي تعمل الحكومة على إخراجه بسرعة فائقة بعد مصادقة مجلس الحكومة عليه مؤخرا ، وما قد يمثله هذا القرار من خطورة على وضعية التوظيف عموما و قطاع التعليم مستقبلا .
و تبقى الإشارة في الأخير أن التقاعد النسبي الجماعي ، سيشكل ثقلا إضافيا على صناديق التقاعد المتأزمة أصلا ، خصوصا إذا تم اعتماد التوظيف بالعقدة . مما يؤشر على غياب إستراتيجية واضحة المعالم في التعاطي مع مشكل التقاعد بشكل عام .
كما أن الوضع سيؤثر سلبا على مشروع الرؤية الإستراتيجية لإصلاح المنظومة التربوية ( 2015/2030) الذي تبنته الوزارة الوصية بعد تقارير المجلس الأعلى للتعليم . وهو المشروع الذي تم البدء في تنزيله بشكل محتشم ، ويفتقد إلى الإمكانيات الموضوعية لتنفيذه ،أمام غياب الإستراتيجية المالية ، تنضاف إليها إستراتيجية الموارد البشرية التي صارت الآن معطى محددا لمصير المنظومة التربوية بالمغرب .
*الصويرة 01 يوليوز 2016.