بدأت مرحلة الدخول في إجراءات الفراق والطلاق المعلن، بين عدد من القوى السياسية المغربية تجد طريقها الى التنفيذ. هذا ما تدل عليه نبرة النقد المرتفعة في تصريحات بعض القيادات الحزبية تجاه البعض الآخر في المدة الأخيرة. غير ان ارتفاع نبرة النقد السياسي ليس بالضرورة حدوث الطلاق الناجز بين من يتبادلون بعض الاتهامات السياسية. فالمرحلة هي مرحلة التحضير للانتخابات التشريعية، ولها منطقها الخاص ولهجتها السياسية الخاصة، كما عهدنا في كل فترة من فترات التي تسبق عملية التنافس الانتخابي. وبطبيعة الحال، فإن تصعيد لهجة النقد ليس حتما باتجاه وحيد، وهو القطيعة السياسية بين الاحزاب والتيارات السياسية المتنافسة او المتصارعة، وانما قد يكون مقدمة لمرحلة من التفاوض لتحديد طبيعة تحالفاتها المقبلة في ضوء ما يمكن لتلك التحالفات ان تضمنه لكل طرف منها من مصالح سياسية يتم التعويل عليها لتحسين الأوضاع وللتموقع افضل في خريطة المشهد السياسي لما بعد سابع اكتوبر التشريعية بما يعنيه ذلك من تموقع ممكن ومحتمل داخل الحكومة او في صفوف المعارضة.
وبهذا المعنى، فإن حدة نبرة الخطاب قد تصب باتجاه تحسين الموقف التفاوضي لكل من الاحزاب الرئيسية، كما قد تعني تمهيدا فعليا لفك تحالفات ووضع أسس لتحالفات اخرى.
وبدهي، انه ليس ممكنا ان تخطيء عين المراقب والمتتبع للمشهد السياسي المغربي في ضوء خطاب هذه المرحلة كيف ان احزاب الاستقلال والعدالة والتنمية و الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي في بؤرة الاهتمام وان الجميع يرغب في فك شفرة خطابها السياسي وسلوكها تجاه بعضها البعض الآخر لمعرفة طبيعة تاكتيكها السياسي ومحاولة الامساك بمحددات سلوكها في مجال التحالفات لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات التشريعية او بناء ارضية لمعارضة وازنة وقادرة على التأثير في مجريات التنافس والصراع السياسي مستقبلا.
غير ان مستوى الوضوح في خطاب تلك الاحزاب لا يسمح بالتعرف بالدقة المطلوبة على طبيعة توجهاتها النهائية وان سمح بالوقوف عند بعض الملامح التي قد تكون دالة عليها ومن بينها:
اولا، تعدد وجهات النقد السياسي لبعض الاحزاب حيث لم تعد الحكومة وحزب العدالة والتنمية هدفه شبه الوحيد، كما كان عليه الامر قبل هذه الفترة التمهيدية للانتخابات. بل اصبح حزب الاصالة والمعاصرة هدفا متميزا بالنسبة لحزب الاستقلال بشكل صريح وواضح وهو هدف مقرون بلغة أقرب الى التفهم والود تجاه حزب العدالة والتنمية رغم ان الاستقلال قرر الخروج من التجربة الحكومية أساسا تعبيرا عن عدم رضاه بأسلوب معالجتها لقضايا الشعب المغربي الجوهرية كما تم التركيز على ذلك في خطاب الاستقلال حينها وبهدف افشال تجربة بن كيران الحكومية كما تم الترويج لذلك من قبل الأطراف المؤيدة لتجربة الائتلاف الحكومي بقيادة الامين العام للعدالة والتنمية.
ثانيا، وإذا ظل حزب العدالة والتنمية هدفا أساسيا للخطاب النقدي للاتحاد الاشتراكي على قاعدة موقفه من تجربته الحكومية خلال السنوات الخمس الماضية، فإن ذلك لا يعني ان الحزب قد حسم موقفه بشكل نهائي في طريقة التعاطي مع حزب الحكومة وانما يبدو انه ممن رأى ان الحسم ينبغي ان يكون وفق نتائج الانتخابات وطبيعة البرامج التي يتم تبنيها من قبل هذا الحزب او ذاك في مجال التدبير الحكومي او خارجه.
وغني عن التذكير ان الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال كانا يعتبران بصورة مبدئية على اقل تقدير انه ينبغي اعادة احياء الكتلة الديمقراطية مع تحيين تصوراتها للوضع المغربي وجعلها قادرة على التكيف مع تطورات ما بعد دستور ٢٠١١، وتجربة الحكومة التي يرأسها العدالة والتنمية. اي ان قاعدة بناء التحالفات الحزبية خارج الحكومة او داخلها لا ينبغي ان تكون مناقضة لميثاق الكتلة الديمقراطية، ولو غاب عن ذلك حزب التقدم والاشتراكية، الذي جرب التحالف الحكومي مع العدالة والتنمية، ولا يبدو انه قد يغير موقفه من هذه التجربة بسهولة. دون ان يعني هذا افتراقه الفكري والايديولوجي عن الكتلة الديمقراطية بشكل من الأشكال.
ثالثا، محاولات حزب العدالة والتنمية اتباع سياسة شبه تصالحية مع الاستقلال بدرجة كبيرة، ومع الاتحاد الاشتراكي بشكل أقل، الأمر الذي يوحي انه يرغب في ترك بعض القنوات مفتوحة معهما تحسبا لتطورات الوضع السياسي التي ستتمخض عنها الانتخابات التشريعية وذلك بالتوازي مع شن حملة منهجية ضد الأصالة والمعاصرة الذي يعتبر هدفا مشتركا بينه وبين حزب الاستقلال في الأشهر الأخيرة.
لسنا الا في المرحلة التمهيدية للانتخابات. وليس ممكنا، بالتالي، التعرف على مختلف الاستراتيجيات الانتخابية والسياسية لقوى المشهد السياسي المغربي غير ان ما سلف من معطيات يوحي ان تحولات كبيرة قد تطرأ على سلوك عدد من القوى السياسية، قد تدفع، مرة اخرى، الى طرح السؤال التاريخي حول طبيعة اشتغال الحقل السياسي المغربي وحول مفاتيحه الرئيسية وخاصة في بعض المراحل المفصلية من حياتنا السياسية.