… عندما يجتهد المشرع الوضعي في اطار اعداده لدستور يؤطر الوطن والشعب والدولة لايمكنه ان يخرق القواعد الشرعية العامة التي اعتمدها الله سبحانه وتعالى في الرسالات السماوية كلها والتي جاءت مرشدة ومعلمة للناس الدين الذي ارتضاه الخالق لعباده والذي هو واحد ولم يلزم به الناس بل ترك لهم اختيار الايمان به من عدمه ..ولو اراد الخالق لجعل الانسان كالحيوانات وكل المخلوقات الحية غير مكلف ولا مامور ..
قال *﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ…﴾ سورة البقرة .
وقال *﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ سورة الكهف .
وقال * ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ المائدة.
...ان وضع القوانين وتطورها يرتبط بشكل جدلي مع تطور المجتمعات ثقافيا وعلميا وتقنيا …الخ ..انها تحدث بناء على حاجيات جديدة ومتجددة خاصة و عامة تسعى للتنظيم والتاطير الايجابيين من اجل تيسير وتسيير افضل لخدمة ورعاية مصالح المواطنين والناس كافة وتحقيق طموحاتهم المشتركة … بانسجام وتكامل مع ضرورات الحفاظ على النفس والعقل والمجتمع وحرية المعتقد و …الخ ..اي ما يحقق الضبط العقلاني الديموقراطي للتدافع والاختلاف بعيدا عن الاقصاء و التهميش و الاجتثاث و التبخيس و العنصرية والكراهية …
لهذا وضع الدين القواعد العامة الكلية للتشريع /العدل / الكرامة /الحرية /المساواة/ التكافؤ /التعاون /الانسانية /…الخ …ووضع لتحقيقها منظومة مهمة من النصوص الدينية من كلام الله ومن السنن الصحيحة المنقولة عن الرسل التي تؤطر للاخلاق الاجتماعية والمكانة الكبيرة للانسان ..كما وضع بعض العقوبات المحدودة وربط تطبيقها بشروط دقيقة ومحكمة وجعل لها حدا اعلى وحدا ادنى هو التسامح والعفو …
يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) سورة النحل.
…ان الضرورات الشرعية الموضوعية تقتضي ليس الفصل القطعي بين الدين والدولة كما يقال احيانا ..بل فصل العمل السياسي والحكومي تدبيرا وادارة وتنظيما والذي تقدم عليه القوى السياسية والحكومات عن الدين ..اي فصله عن اية صيغة من صيغ استغلال وتوظيف الدين لتعليل القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ..الخ اوللدفاع عن مواقف اية حكومة او حزب ..او لاستعماله تعسفا لمحاربة المخالفين والمعارضين ..او لاستعماله لابتزاز الدولة بهدف التحكم فيها عن طريق مشاركة امارة المؤمنين فيما تختص به .. او بانتحال المذهب السياسي لصفة المذهب العقدي فيصبحان مرجعا يستعمل في اسوا الحالات لتكفير الاخر ..كما سجل التاريخ ذلك سواء في زمن بعض الخلفاء الراشدين او حكم بني امية وبني العباس والعثمانيين وحتى في عصرنا هذا …
ان الضرورات الشرعية والعقلية .اعتبارا الى ان المصلحة الشرعية الكبرى …
-تقتضي الفصل بين امور الحكومات وامور التمذهب ” العقدي ” تعلق الامر بالمذاهب الاربعة او غيرها ..او تعلق تجاوزا بمن يسمون انفسهم” اجنحة سياسة لتنظيمات دعوية “ولو اضطر البعض منهم في عدة بلدان الى المراجعة التكتيكية التي قد تكون “تقية “…
-تفرض على الجميع حماية المجتمعات والدولة من التجاذبات المتعصبة والمنحازة للمذهب والتنظيم التي ينتج عنها تطاحن وصراعات وتسيل بسببها دماء وتنهار اقتصادات وحضارات ودول ..وادت وتؤدي الى تمزيق بشع لاوصال الامة الاسلامية واضعافها لدرجة تصبح معها خاضعة لاملاءات خارجية وعاجزة عن ادارة امورها وامور الناس في استقلالية تامة …
لهذا عندما ضبط الدستور المغربي وخاصة المادتين 41 و42 مهمة واختصاص ودور امارة المومنين التي يمثلها الملك فانه كان منسجما مع الدين ومقاصد الشريعة وحقيقة الفصل العلمي بين دور الحكومات التي تتشكل من الاحزاب الممثلة بالبرلمان برئاسة الفريق المتقدم عدديا مقارنة مع الفرق الاخرى ..والتي قدمت برامجها الانتخابية وماتنوي عمله بالحكومة بناء على توقعاتها والتزاماتها ووعودها للحصول على اصوات الناخبين …ومن هذا المنطلق السياسي الواضح تكون الحكومة هي المسؤولة كليا ايجابا وسلبا بكل اعضائها ومكوناتها وان لادخل للدين في اي تدبير او قرار او سياسة حكومية …
ان مما يندرج في الجوهر العام لاختصاصات امارة المؤمنين ..
الشان الديني /الامامة /الوعظ/ الارشاد الديني / الافتاء/ حفظ الدين/ …ويضاف الى ذلك الاحسان العمومي في بعده الديني علاقة بكل اوجه الانفاق المختلفة الموجهة للفقراء والمساكين والمحتاجين …باعتباره من صميم الاعمال المباركة في ديننا ومن افضلها ..وطرحها هنا في هذا السياق مرجعه ومن اسبابه ان استغلال البعض لفقر فئات عريضة من الشعب وحاجاتهم للمساعدة وكل اشكال الرعاية والاعانة ..يوظف لخلق تبعية مصلحية سياسية في الانتخابات وفي العديد من الاستحقاقات والمحطات في مواجهة المخالفين والمعارضين لتوجهاتهم السياسوية المغلفة شكليا بالدين والتي تسعى للتحكم والتماهي التمويهي مع احد اهم ادوار امارة المؤمنين التي تقف بقوة الموقع والمسؤولية العظمى على مسافة واحدة من ومع الشعب وكل مكوناته دون تحيز او مصالح ضيقة او نفع انتخابي …
فاذا كان القانون يمنع – تحت طائلة بطلان نتائج اي استحقاق انتخابي – استغلال الدين والرموز الدينية والعلم الوطني والملك / امير المؤمنين …فانه من باب اولى واحرى ابطال كل السياسات الحكومية والحزبية ..عندما يتم توظيف الدين ومجالاته وفضاءاته لاستمالة الناس واستقطابهم وتجنيدهم بتنظيماتهم كمنخرطين او متعاطفين او اتباع او انصار ؟! والتاثير فيهم وفي توجهاتهم الوطنية الكبرى وربطها بالولاء لهؤلاء او اولئك ولو على حساب وحدة الامة واستقرارها ووحدتها وكرامتها وحريتها ..ولنا في التاريخ القديم والمعاصر امثلة عديدة …
لهذا نص الدستور المغربي في المادة 41 على ان ..”الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.”..
“يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه.”..
..فاذا كان الله سبحانه وتعالى قد فصل وميز بين المقامات التالية .. مقام سيدنا محمد كانسان .. ومقامه كرسول .. ومقامه كنبي ..فانه لايجوز ولا يصح لاي كان في ديننا من عامة الناس وخاصتهم ان يجيز لنفسه ما اختص الله به سيدنا محمد …ولا ان يحشر نفسه في اي مقام من مقامات النبي حتى مقامه كانسان لان الله اصطفاه من ولد ادم ليكون خاتم الانبياء والمرسلين وكان بذلك متميزا عن اهل مكة والعرب والناس بسلوكه واخلاقه وامانته وصدقه وطيبوبته حتى قبل ان يوحى اليه ..ورغم ذلك فانه صلى الله عليه وسلم يستشير الناس في الامور التي لم ينزل فيها عليه وحي ويعمل بالراي الافضل …
قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) سورة آل عمران ..وقال (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)سورة الشورى
ان السلطة والحكومة بكل اعضائها والادارات التابعة لها ليست لهم اية قداسة روحية او شرعية انهم يقومون بمهام ووظائف ومسؤوليات دنيوية يحددها لهم الدستور والقوانين المرجعية المعتمدة .. وسياساتهم وقراراتهم واعمالهم تحتمل النجاح والاخفاق النسبيين … وهم والموالون والمعارضون يساءلون ويحاسبون امام الشعب على اقوالهم وافعالهم وتقريراتهم ..كما انهم مساءلون يوم القيامة عن عمرهم فيما أفنوهُ وعن عِلمهم ماذا عَمِلَوا فيهِ وعن اموالِهِم مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَوهُا وفيما أنفقَوها..كما انهم مساءلون عن الزمن العمومي كيف استثمروه و عن المال العام فيما انفقوه ..وسيسالون عن الضعفاء والكادحين هل وفوهم حقوقهم ورعوا مصالحهم ..وسيجدون كتابهم لم يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها ..والله اعلم بالنوايا والمقاصد
جاء في صحيح مسلم ( من عمل عملاً وأشرك فيه غيري تركته وشركه )
*الاربعاء 13 يوليوز 2016.