تؤكد المعطيات الواردة من عدة مدن أن هناك أطرافا لم تتخلّ عن عملية توزيع ما يسمى «قفة» رمضان، رغم قرار المنع الذي أعلنت عنه وزارة الداخلية، كإجراء احترازي، من أجل التخفيف النسبي من الاستغلال الفاضح للصدقات و الإحسان، في حملات انتخابية سابقة لأوانها، والركوب على الفقر، لتجميع أصوات المحتاجين، كخزان انتخابي.
ويبدو أن الإجراء الذي اتخذته وزارة الداخلية، ليس سوى عملية محدودة التأثير، لأن الجهات التي تلجأ إلى هذا النوع من «الممارسة السياسية»، تتوفر على شبكات ولا تحتاج إلى العلنية، لتوزيع المواد الغذائية، في رمضان و طيلة السنة، مما يطرح تساؤلا حول جدوى إجراء الداخلية.
ربما تكمن قيمة هذا الإجراء في بعده السياسي، حيث يمثل إدانة لاستغلال حاجة المواطنين، في العمليات الانتخابية، وهو المنهج الرئيسي الذي تلجأ إليه كل حركات «الإخوان المسلمين»، في المشرق والمغرب، بالإضافة إلى توظيف فضاءات العبادة والدعاة، في استقطاب الناخبين…
غير أن قرار الداخلية يظل محتشما ومحدودا في أرض الواقع، لا يأبه له من جعل من التجارة في المشاعر الدينية وخطاب الرحمة، رأسماله الرئيسي في المجتمع، يعوض به خواءه الفكري وفقره السياسي، للحصول على أصوات الفئات المحتاجة، كما يفعل كل سماسرة الانتخابات.
غير أنه من الممكن أن يتم التعامل مع قرار الداخلية في بعده السياسي، الذي يتضمن اعترافا واضحا بلا مشروعية «قفة رمضان»، بالشكل الذي تمارس به، و بكل ما يوازيها من العمليات «الإحسانية» المشبوهة، التي حولت قيمة نبيلة، مثل قيمة التضامن الذي كان يقوم به المحسنون، باستمرار، في الستر والخفاء، كما هي تقاليدنا في المغرب، إلى مقايضة انتخابية مقيتة.
و يمكن التأكيد هنا أنه مادامت مثل هذه الممارسات موجودة، ويتم التسامح معها، و لا يساءل الذين يجمعون المال ويحصلون عليه بأشكال مختلفة ويصرفونه، بصفة غير قانونية، فستظل الرشوة الانتخابية، حاسمة في كل الاستحقاقات. الفرق بين من يقدمها خلال الحملة أو خارجها، شكلي، فالطرفان يجهضان كل نضج ديمقراطي، ويستغلان شقاء الناس بطريقة لا أخلاقية، لصنع خرائط تمثيلية مغشوشة.