يكتسي تنصيب المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الافارقة أهمية بالغة في المرحلة الحرجة التي يمر منها العالم الإسلامي اليوم، كما أنها تعطي بعدا أكثر عمقا لرسالة التدين المغربي كما ينبغي فهمه. وتحقيق فاعليته في المحيط القريب والمتوسط.
وهو، منطقيا، يندرج في سياق مهمة حضارية نذر المغرب نفسه لها، في محيط متقلب وفي مرحلة تاريخية جد ملتبسة وشرسة، مما يحرر هذه المبادرة من الحسابات الضيقة، التي تتحكم في العديد من »محاولات الانفتاح الديني» في القارة السمراء.
إن إحدى المهام الأساسية، هي توسيع نطاق الفكر التنويري في القارة، التي أصبحت منذ نهاية القرن الماضي، وجهة مفضلة لدى الحركات التكفيرية، والنزعات المقابرية ، والتيارات الاستئصالية.
والخارجة عن سياق الزمن والأفق الكوني ، الذي تتطلع إليه شعوب العالم الإسلامي، بعد أن أنهكتها التجريبية التكفيرية والانغلاقية العقائدية، بما جنته على الأمة من ويلات ومن حصار حضاري غير مسبوق.
وقد تولى المغر ب منذ مدة مهمة الدخول في غمار المواجهة العلمية الدينية الطويلة الأمد ،لكل أشكال الانحراف، بتعاون وثيق وغير نفعي مع شعوب العالم الإسلامي الافريقي، بعد أن فتح أبواب مدارسه ومعاهده العلمية والدينية لأبناء الشعوب المعنية، من أجل إسلام منفتح، إنساني وحضاري..
وذلك ،بامتلاك قدرة مواجهة تيارات التطرف من جهة، و جاذبية ارتضتها له رسالته الأصلية الحنيفة ، من جهة ثانية.
وقد جاءت هذه المهمة الحالية ، بعد أن كان المغرب قد احتضن، بوعي وبمبادرة سيادية وحرة، مؤتمرا حول الحرية الدينية، والتسامح في بلاد الإسلام، وما نتج عنه من توصيات وبيانات تدعو إلى العمل العميق على الذهنية والفهم وعلى نوعية التعليم والتربية المطلوبة في بناء الشخصية الإسلامية المتعايشة مع العصر ومع متطلبات المعيش الإنساني المشترك.
ويتضح من تشكيلة المجلس الأعلى أن المغرب يحرص على مقاربة اندماجية ونوعية بحضور لافت للعالمة المسلمة والمثقفة العاملة في حقل التدين والتفكير فيه وفي مقاصده وتفرعاته، وهو ما يبرز تأكيده على منهاج المساواة وتعميم تجربته في الميدان ، الشيئ الذي يحافظ للمبادرة على قوتها الإبداعية والتحررية إزاء أحد إشكالات التدين الحديث.