يشهد شهر رمضان الجاري موجة غلاء غير مسبوقة، مست عددا كبيرا من المواد الغذائية الأساسية التي يكثر عليها الإقبال كالخضر والفواكه والبيض والسمك ..حيث ارتفعت الأسعار بشكل غير مبرر مقارنة مع رمضانات الأعوام السابقة .
ولا يتعلق الأمر هنا بزيادة طبيعية في الأسعار بسبب نقص الوفرة أو قلة العرض مقارنة مع الطلب ، وإنما يعزى هذا الغلاء في جزء كبير منه إلى فوضى المضاربة في الأسعار وغياب الرقابة اللازمة من طرف السلطات العمومية لتنظيم قواعد المتاجرة في المواد الغذائية الأساسية التي يقف عليها المعيش اليومي للمواطنين خلال رمضان.
إن دور الحكومة لا يقتصر فقط على ضمان تزويد السوق بالكميات الكافية من المواد الأساسية التي تشهد إقبالا استثنائيا في شهر الصيام، و إنما يمتد إلى مراقبة المسالك التجارية التي تعبرها هذه المواد والسلع قبل الوصول إلى نقط التوزيع أمام المستهلكين .
وفي هذا الصدد، لا يسمح للسلطات الحكومية أن تظل مكتوفة الأيدي إزاء زيادات فاحشة في أسعار بعض المواد الغذائية ، عندما يكون المضاربون والشناقة والوسطاء وراء مضاعفة الأسعار 3 إلى 4 مرات بين المنشَأ والمستهلك النهائي ، حيث لا يعقل مثلا أن يباع صندوق سمك “الميرلان” في أكادير ب500 درهم و يصل إلى بائع التقسيط ب 1200 درهم ، علما بأن قواعد بيع السمك في المغرب تقضي ، لكي تكون هوامش الربح معقولة ، بألا يتجاوزالبيع عمليتين: إحداهما لتجارالجملة والثانية لتجار التقسيط . ونفس الأمر ينسحب على الخضر والفواكه التي تخرج من الضيعات بدرهم وتباع في السوق ب10 دراهم… أما أن تتفرج السلطات على الوسطاء والمضاربين والمحتكرين دون تدخل ، تحت ذريعة قانون المنافسة وحرية الأسعار ، فإن ذلك ما يشجع على الفوضى و الجشع الذي يقع ضحيته المستهلك النهائي.
كما أن قانون المنافسة وحرية الأسعار 99-06 بمنطوقه في المادة الرابعة لا يحول “ دون إمكانية قيام الإدارة، بعد استشارة مجلس المنافسة، باتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أو انخفاض فاحش في الأسعار يعلله و جود ظروف استثنائية أو كارثة عامة أو وضعية غير عادية بشكل واضح في السوق بقطاع معين.”
وبالقدر الذي تجتهد فيه السلطات العمومية لضبط وزجر ومصادرة وإتلاف السلع الفاسدة ، بقدر ما هي مدعوة لحماية المستهلك بمراقبة شبكات التجارة غير المهيكلة التي تختبئ خلفها مافيا متخصصة في التلاعب بالأسعار وتوجيه الأسواق عن بعد .