تشير الأزمة في الدراسات السياسية والاقتصادية إلى تلك الحالة الخطيرة التي توصف بالاقتراب من خروج الأمور عن نطاق التحكم والسيطرة. وتتنوع أسباب الأزمات ما بين وجود خلل في بنيات داخلية أو دولية؛ أو وجود خلافات ومشاكل مختلفة لم تحسم؛ علاوة على تصارع المصالح وتنامي الابتزاز بين مختلف الأطراف؛ إضافة إلى الأخطاء البشرية وخرق القوانين والاتفاقيات..
 
غالبا ما تشكل الأزمات بؤرا لتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية؛ وانتعاش التطرف وتمدد الإرهاب..؛ وهي (الأزمات) تضع الطرف الذي يواجهها أمام هدفين أو مطلبين رئيسيين؛ الأول هو حماية المصالح والأوضاع القائمة بأقل تكلفة مادية وبشرية، والثاني هو العمل قدر المستطاع على تجنب الدخول في غمار مبادرات ومواقف مرتجلة يمكن أن تؤدي إلى خروج الأمور عن نطاق السيطرة..
وعلى الرغم من التداعيات الخطيرة التي تخلفها الأزمات والحروب على مختلف الواجهات الإنسانية والبيئية والمعمارية.. فإنها تشكل – مع ذلك- محطّة للتأمل واستخلاص الدروس والعبر من التجارب القاسية؛ واعتماد تدابير أكثر نجاعة وفعالية لمواجهة المخاطر المحتملة..
 
تشير الكثير من الدراسات والدراسات الأكاديمية إلى أهمية السبل الوقائية في التعاطي مع الأزمات على اختلافها؛ وهي سبل أكد عليها ميثاق الأمم المتحدة في سياق المهام التي تحظى بها هذه الأخيرة على مستوى المحافظة على السلم والأمن الدوليين؛ حيث تم التنصيص في الميثاق على مجموعة من المبادئ التي يقوم عليها تحقيق هذا الهدف في علاقة ذلك بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول؛ وتنفيذ الالتزامات الدولية بحسن نية وتسوية المنازعات بسبل سلمية وعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية أو التهديد باستخدامها.. فيما أحدث المجلس الاقتصادي والاجتماعي كجهاز يعكس الوعي بأهمية استحضار مدخل التنمية لتوفير الشروط اللازمة لترسيخ السلم والأمن الدوليين.
 
إن كلفة الأزمات باهظة بالنسبة للدول والمجتمعات؛ بما يجعلها من بين أهم العوامل المعرقلة للتنمية من حيث تكريس الفقر والبطالة والعجز الاقتصادي ومختلف المعضلات الأخرى.
وفي مقابل ذلك؛ تظل التداعيات التي تفرزها المعضلات الاجتماعية والاقتصادية خطيرة؛ على مستوى تغذية الأزمات وتوفير المناخ لانتعاش التطرف والإرهاب والسلوكيات المنحرفة.. 
كما لا تخفى تأثيرات الأزمات الداخلية في أبعادها البيئية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية على المحيط الإقليمي والدولي بفعل تشابك العلاقات والمصالح بين الدول في عالم اليوم.
 
منذ تأسيسها سنة 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ جعلت الأمم المتحدة من تحقيق السلم والأمن الدوليين أهم أولوياتها؛ عبر سبل زجرية تتصل بتدخلات مجلس الأمن الزجرية في إطار الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة؛ أو من خلال أساليب وقائية مرتبطة بدعم جهود التنمية في عدد من البلدان عبر وكالاتها المتخصصة؛ وتسوية المنازعات بشكل سلمي انسجاما مع مضامين الفصل السادس من الميثاق.
في معرض حديثه عن السّبل الدولية اللازمة الكفيلة بتحقيق السلم والأمن الدوليين؛ أكد الأستاذ “دانييل كولار”على أهمية ونجاعة التنمية إلى جانب مداخل أخرى في هذا الصدد.
ويحيل مصطلح التنمية إلى مجمل التحولات التي تطال المجتمع في مختلف المجالات الاجتماعية، والسياسية؛ والاقتصادية؛ والمعرفية؛ والتقنية..، بالصورة التي توفر الشروط اللازمة لحياة أفضل؛ وبما يحقق التطور والرفاه للأفراد.. من خلال استثمار الإمكانات المتاحة بشكل جيد؛ تلبية للحاجات المطروحة في الحاضر والمستقبل.
 
أضحى كسب رهان التنمية أكثر ضرورة وإلحاحا في ظل المخاطر المتنامية الدولاتية (مصدرها الدول) منها وغير الدولاتية التي تهدد السلام العالمي من قبيل التهريب والجريمة المنظمة والإرهاب..، ولذلك لم تعد معارك اليوم متوقفة على مواجهة المخاطر العسكرية فقط؛ بل هي مفتوحة أيضا ضد الفقر والجهل والتطرف..؛ والاستثمار في كل ما يعود بالنفع على الإنسان ومحيطه.
* عن موقع مجلة” درع الوطن الاماراتية “
logo

‫شاهد أيضًا‬

الخلاف والاختلافأو الفصل بين الواحد والمتعدد * الدكتور سعيد بنكراد

عن موقع سعيد بنكراد  يميز المشتغلون بأصول الفقه عادة بين أربعة مستويات في تناول النص ومحاو…