اليوم، يواجه الاشتراكيون تحدي النهج البديل للنيوليبرالية والأصولية والاجابة على اسئلة من قبل هل سيبقى لليسار علاقة نقدية مع السوق كمدافع على رؤوس الأموال؟ او ما دوره في تقدم أو تراجع الفكر العقلاني امام الفكر المحافظ؟ أسئلة تُعرف مُعادلة يسار القرن 21 وتحثه على الفصل بين مرجعياته على اساس المبدأ الأصلي الذي يجعل من “تنمية الفرد شرطا للرقي الجماعي”، بعيدا عن تلك المراجعات التي اغرقته في نفق “النقد الذاتي” بعد نكسة التسعينات و صراعات حولته إلى شتات غير قادر على مواجهة التحالف الرأسمالي-المحافظ. رغم دلك لم يفقد اليسار شرعيته بل لا زال محوريا في توازن البلاد و تماسكها و يعمل على بناء دولة العدل ورد الاعتبار للشغل كأساس الانتاج أمام راس المال الغير المتحكم فيه من طرف السيادة الشعبية، بهدف إخراج الوطن من الاختيار الثنائي بين الحل الأصولي او التقنقراطي.
اليوم، يدافع اليساريون عن الحريات الاقتصادية لكن، اولا، عن سمو حقوق الانسان على السوق التي تذهب فطريا نحو احتكار المال و تؤدي الى استبداد أصحابه، بإدماج التماسك الاجتماعي ضمن أهداف الرأسمالية عبر التعليم والصحة والثقافة ومجانية و جودة المرافق العمومية لتفادي الاختلالات الهيكلية والفتن التي تطبع منطقتنا منذ وأد الاستقلالات. أمام الحقائق الموضوعية التي يطول تفصيلها في هذا المقال، تتبنى الليبيرالية الجديدة تعليلا يُحمِّل “تدخل الدولة في الاقتصاد” –صُلب الاشتراكية في تعليق اليمينيين- مسؤولية الأزمات الاقتصادية، لتبرير التقشف و خوصصة القطاعات الحيوية لخدمة المؤسسات المرتكزة على قروض الدول النامية. على عكس ذلك، يؤكد اليسار على أن تراجع الدولة هو المسؤول عن الأزمة و المخل بالتوازن بين الشغل و الثروة، و بدفاعه عن الدولة الوطنية كفضاء للانتماء و تعبير عن سمو القانون فهو يقترح الوقاية من رد الفعل الديني على الواقع الطبقي عبر “الدموقراطية” كمنظومة تدمج الحرية والمساواة في علاقة الشعب مع المؤسسات كضمانة للاستقرار.
اليوم، و في زمن مطبوع بالرديكالية تتبارز فيه الشعبوية والأصولية، وهما وجهان لعملة واحدة، يتصالح اليسار مع عمقه الليبرالي المنبني على القيم الكونية لتأسيس انطلاقة جديدة لمغرب في حاجة إلى خط ثالث أمام” الانهيار القيمي” السائد، يرد الاعتبار للعمل السياسي عبر القطيعة مع التمثيلية السطحية المناهضة للشرعية الشعبية. القدرة التنظيمية للحركات الإسلامية والأساليب الانتخابية للأحزاب الإدارية في العالم القروي ومدارات الصفيح تضل هامشية أمام إرادة الشعب الممتنع الذي تخترقه قناعات متناقضة و التي لا يمكن تجميعها إلا في خط اشتراكي صريح ما انفك يقاوم التضليل واستغلال العقيدة في شرعنة بعض المصالح الطبقية لإخراج الشعب من حتمية الاستسلام إلى الضلامية أو الفساد.
* دكتور في الحقوق من جامعة نيس الفرنسية، محام وجامعي، فاعل حقوقي وسياسي يساري.