لقد خاض المغرب تجربة فريدة فيما يتعلق بالعدالة الإنتقالية وطي صفحة الماضي الأليم والتي تميزت بإنتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان والتضييق على البناء الديمقراطي واحتكار شبه كلي للسلطة في مختلف مظاهرها.إننا عندما نتحدث عن التجربة المغربية، فإننا لا نقدم نموذجا قابل للإستنساخ في باقي دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل هي تجربة أحاطت بها خصوصيات شديدة، لكن هذه الخصوصيات تصلح أن تكون -في طابعها الإجرائي- نموذجا إرشاديا فيما يتعلق ببناء المصالحة في الدول التي تعرف نزاعات ممتدة منذ ما سمي بالربيع العربي.
عناصر خصوصية التجربة المغربية والتي ساهمت في نجاحها إلى حد كبير تتمثل بالخصوص في العوامل التالية:
1- عدم الإختلاف حول طبيعة النظام السياسي المتمثل في النظام الملكي الدستوري.
إضافة إلى الشرعية الوطنية والتاريخية فالملك هو أيضا أمير للمؤمنين، و هذا الأمر جنب البلاد ظهور تيارات الإسلام السياسي بنفس المضامين المتشددة الموجودة في الشرق الأوسط، أو على الأقل قامت وتقوم بلجم أهدافها الحقيقية.
هذه الشرعيات المتعددة والتي تتعزز بصورة يومية بشرعية الإنجاز التي تتمثل في حجم الإصلاحات الاقتصادية والإجتماعية التي واكبت عملية العدالة الانتقالية، ساهمت في تيسير عملية المصالحة وبناء العدالة الانتقالية، فعندما يوجد حاكم يجيد قراءة التحولات الداخلية والخارجية، ولديه خلفية وطنية ودينية متنورة، فإن عملية التغيير تملك شروط النجاح.
قد لا يكون هذا النجاح مستمرا بصورة آلية، ولكنه نجاح حقيقي يعبر عن قناعات حقيقية لدى كل الأطراف الرئيسية في عملية التحول الديمقراطي، وبالطبع قد يواجه صعوبات أو رغبات نكوصية تحركها جهات ترى أن مصالحها مهددة من دينامية المصالحة والتحول الديمقراطي، هنا يجب على جميع أطراف التحول؛ ورغم إستمرار الخلاف بينها في بعض القضايا، أن تبقى على إستعداد لمواجهة أي جهة تريد العودة إلى الممارسات السلطوية السابقة.