نعيش المفارقة التالية: الانتخابات تصنع الحكومة، لكن الحكومة تقول بأنها لم تصنع الانتخابات،… والحكومة يعبر عنها بطبيعة الحال رئيسها، وليس وزيره في الداخلية..في منطق المسؤولية السياسية والتنظيمية والدستورية!
غير أن ما يحدث هو أن رئيس فريق الحزب الحاكم يطلب من الداخلية أن تنشر، بالتفصيل الممل، نتائج الانتخابات…
وهي مقدمة لمفارقة ثانية: الحزب الفائز في الانتخابات، هو الذي يشكك فيها..

ولنا أن نسأل: هل هي طريقته في أن يقول بأنه قَبِلَ بالتنازل، كما اعتاد ذلك في سابق الانتخابات، عن مقاعده، لكي تمر المهزلة، أم هي طريقته في أن يقول بأن أحسن طريقة للدفاع هي الهجوم ، وذلك بوضع الجهة المشرفة على إعلان النتائج في موقع شبهة، وبالتالي وضعها تحت الضغط؟
أيا كان الجواب..فإنه لا يخرج عن المفارقة!
ففي الواقع لا تتطلب الديمقراطية هذا النوع من الأسئلة التي تجعل المسار كله عرضة للطعن، من طرف الجهة المستفيدة..
كان عليهم أن يقتدوا بمحمد حفيظ، الأستاذ الجامعي الآن، والإعلامي الشاب ومرشح الاتحاد في التسعينيات، عندما رفض فوزا تحوم حوله الشبهات؟..

لنكن واضحين: لا أحد سينازع رئيس الحكومة إن كان يفكر بالفعل في حماية الاقتراع من التدخل أو يسعى إلى تقزيم تدخل الداخلية فيه، لكن شريطة أن يعلن بأن وزارة الداخلية ، بأفعالها لا …تعنيه! وأن يكون ذلك بالوضوح التام، الذي لا يعفيه من مسؤولية الإشراف على الاقتراعات ، لا سيما منها انتخابات 4 شتنبر والانتخابات القادمة.
فهو يعلم بأن طلب إشراك الهيئات غير الممثلة في الحكومة ،في الإشراف، عبر آلية مستقلة، طلب لم يجد لديه مبررات للإقناع، وبالتالي فقد حكم على نفسه بأن يكون المسؤول الأول والأخير عن انتخابات 7 أكتوبر..

المفارقة الثالثة: إذا كان التشكيك، من طرف رئيس الفريق البرلماني الأكبر في المؤسسة، عبر مطالبته بنشر النتائج، ليثبت عجزها عن ذلك، أمرا ممكنا، ويمكن أن يستشف منه أن الحزب الأول غير راض عنها وعما تم الإعلان عنه، بل القول بأن ما ثبت لديه من أرقام حول الأصوات التي حصل عليها، يفوق بكثير ما تم تقديمه لحد الساعة، وهو ما يعني التزوير بتقليص الفوز، فما الذي يمنع أحزابا أخرى من أن تقول نفس قوله، بل الذهاب إلى أبعد من ذلك، بالتأكيد بأن التدخلات، إقليمية ودولية، كانت تستلهم التقلبات الرهيبة في المنطقة لتمرير خطة أوسع انقلاب، سياسي وجغرافي وتاريخي، في المنطقة؟
ما الذي يمنع من القول بأن الدولة التي تزور ضد الحزب الأول والذي يقود الحكومة، لم تخضع لضغوطات من أجل أن تمرر أغلبيته في وقت سابق؟
إنه سؤال واسع الظل ومنتشر الشك، لا يستطيع هذا العبد الضعيف لربه أن يغامر بالجواب عنه!
لكنه سؤال يفتح الباب واسعا للقراءات التي تنزع عن التجربة البرلمانية المغربية كامل سيادتها..!
إن الفرق بين رجل السياسة السياسوي وبين رجل دولة، هو أن الأول يفكر في الانتخابات القادمة والثاني يفكر في الأجيال القادمة..ولا يحرمها من حاضرها الممكن ديمقراطيا.
أما التأكيد على أن الفوز منذ خمس سنوات قابل للتكرار، وإن كان من الممكن جيدا، فذلك منطق «ماضوي« لا يخدم التجارب المستعصية في الانتقال الديمقراطي..

*عمود كسر الخاطر
     الاربعاء 1 يونيو 2016.

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…