كان يمكن للاجتماع المنعقد، نهاية الأسبوع الماضي، بين جامعة الدول العربية ومندوبين عن مجلس الأمن الدولي أن يكون نقطة مفصلية هامة في علاقات الجامعة كمنظمة إقليمية تغطي مساحة ما يسمى العالم العربي وبين مجلس الأمن الذي يتولى مبدئيا السهر على الأمن والاستقرار في مختلف مناطق العالم وفي منطقتنا التي تعيش ضمن أجواء التهديد والحروب منذ قيام إسرائيل وحروبها التي لم تتوقف يوما عن شعوبنا وعن الشعب الفلسطيني الذي لم يتخلص بعد من قيود الاحتلال الإسرائيلي رغم كل الترسانة الهائلة من التوصيات والقرارات الدولية الرامية إلى إنصافه من خلال ممارسة حقه في تقرير المصير وبناء دولته الوطنية المستقلة.
غير أن هذا الاجتماع رغم كل الكلمات الدبلوماسية والسياسية التي عرفها بما في ذلك المنتقدة لدور مجلس الأمن والداعية إلى تفعيله لمواجهة تحديات المرحلة والتهديدات التي يتعرض لها الأمن والاستقرار الدوليان، لم يكن ممكنا له النجاح لعدم توفر شروطه الأساسية على مختلف المستويات. إذ لن تبرهن الجامعة خلال السنوات الأخيرة على أنها تمتلك إرادتها المستقلة ككيان للعرب وكبيت لهم تجاه الضغوط التي تُمارس عليها لخدمة أجندات تصب في مصلحة خصومها أو حتى أعدائها المعلنين بدل خدمة المصالح العليا للدول العربية. وقد أفقدها هذا الوضع مصداقيتها، وتصرف العالم معها باعتبارها مؤسسة لإصدار توصيات وتقارير ومواقف توضع، بعيد بلورتها وإعلانها، على رفوف مكاتب موظفي الجامعة، وربما بعض مكاتب الخارجيات العربية فلا تتم العودة إليها عادة إلا عندما يحل استحقاق من استحقاقات الجامعة الدورية أو الطارئة، حتى تأتي التوصيات والتقارير والمواقف مبنية أو معطوفة على التوصيات السابقة، إيحاء بان هناك جدية وذاكرة قوية لدى الدول الأعضاء وأنها لم تتخل عن تلك التوصيات، رغم أنه ليس خافيا على أي متابع أو قاريء لمتن تلك التوصيات طبيعتها والأهداف الحقيقية من التوافق حولها بمجرد ما تتم الدعوة إلى اجتماع من اجتماعاتها في سياق حدث أو أزمة تمر بها دولة من دولها أو مجموعة منها. فالمتابع لشروط بلورة تلك التوصيات يدرك جيدا أن جل ما تقدم عليه الجامعة في تلك الحالات ليس إلا للاستهلاك الإعلامي العابر وليس للتطبيق والتجسيد على أرض الواقع.
وبطبيعة الحال، فإن التجربة الملموسة للدول العظمى مع الجامعة أكدت لها أن الجامعة قد أصبحت إطارا فارغا وبالتالي، لا وزن له في ميزان العلاقات بين الدول في مختلف مستوياتها، بل إنها قد وقفت بالملموس على أنها مستعدة للتفاعل الإيجابي مع الأجندات الأجنبية، وبسهولة منقطعة النظير، حتى عندما تدرك تلك الدول أن تلك الأجندات لا تصب، بأي شكل من الأشكال، في مصلحة الدول العربية منفردة أو مجتمعة. وذلك على الأقل مذ بررت الاعتداء الأمريكي الغربي على عدد من الدول العربية بما فيها الدول المؤسسة لهذا الكيان المفترض انه كيان جامع وتربط بين أعضائه معاهدة الدفاع المشترك، كما كان عليه الأمر عند احتلال العراق كما عبر عنه بوضوح استدعاء الحلف الأطلسي للإطاحة بنظام القذافي في ليبيا وتمت محاولات كثيرة لتكرار التجربة في سورية وان لم تفلح في ذلك نظرا لتعقيدات المسألة السورية، حيث شكلت النقطة العقدية لمصالح واستراتيجيات إقليمية ودولية لم يدركها ربما أمين الجامعة العربية نبيل العربي عندما اخذ ملف الأزمة السورية إلى نيويورك، معتقدا انه بمجرد ما يدعو مجلس الأمن الدولي إلى إصدار قرارات ضد الحكومة السورية تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة فإن المسألة ستجد طريقها إلى الحل عبر التدخل العسكري المباشر.
غير أن هذا الاعتقاد المبني على جهل طبيعة ما يتم تثبيته من قواعد اللعبة الاستراتيجية بين القوى العظمى قد اصطدم بحقيقة تضافر الفيتو الروسي والصيني الذي أسقط هذا التوجه تماماً لإدراك من القوى الأساسية على الطرف الآخر أن أي مغامرة بالتدخل العسكري في سورية قد يشعل فتيل حرب إقليمية كبرى على اقل تقدير إن لم يتم الانزلاق إلى حرب ذات أبعاد دولية أخطر من ذلك بكثير.
ومع ذلك، لا يبدو أن الامين العام للجامعة العربية قد استخلص الدروس التي يفرضها الموقف، الأمر الذي ينم عن عدم إدراك أو تجاهل الحقائق التي أكدها سلوك الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة تجاه مختلف الأزمات. وهذا ما يدل عليه وضعه على قدم المساواة في خطابه خلال جلسة افتتاح اللقاء، وفي معرض نقده لمجلس الأمن لعدم تحمل مسؤولياته، قضية الشعب الفلسطيني والمسألة السورية متناسيا أن الأولى تدخل في صميم القضايا التي يتحمل فيها مجلس الأمن مسؤولية تاريخية منذ بدء هذا النزاع واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وهضبة الجولان السورية، أي أن عدم حله يعني تهديدا مباشرا للأمن والاستقرار الدوليين، في حين أن ما يجري في سورية كان مفترضا أن يتم التعامل معه باعتباره على الأقل في بداياته حراكا سياسيا داخليا مبنيا على بعض المطالب السياسية أو اعتباره ثورة مجموعة من الشرائح الاجتماعية والقوى السياسية على نظام الحكم، وفي هذه الحالة فليس من حق ولا من مسؤولية مجلس الأمن التدخل لأنه ليس ضمن اختصاصه وفق ميثاق الأمم المتحدة لأن الأمر لا يتعلق بما يدخل في نطاق النزاعات الإقليمية والدولية.
وإذا تبين للجامعة العربية أن هذا الحراك السياسي الداخلي قد تحول إلى نزاع يهدد الأمن والسلم الإقليمي أو الدولي فكان عليها أن تغوص في بحث أسبابه الحقيقية والأجندات الإقليمية والدولية التي حولت اتجاه الأزمة، لمعالجتها بشكل سليم خاصة بعد أن تبين لها أن الإرهاب الدولي قد أصبح الفاعل الرئيسي داخل سورية والعراق، وأن الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية على قدر لا يستهان به من التفاهم حول طبيعة ما آلت إليه الأمور، كما دلت على ذلك قرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة التي تضع إطارا يبدو مقبولا لحل الأزمة السورية، رغم كل المقاومات التي يعبر عنها هذا الطرف أو ذاك، بهدف تعظيم مصالح هذه الدولة أو تلك، عندما يتم وضع صيغة الحل السياسي النهائي.
فمن يستطيع الجزم، في ضوء هذه الحقائق البسيطة لطبيعة الموقع الحقيقي الذي تتحرك منه جامعة الدول العربية، أن دعوات أمينها العام إلى إصلاح مجلس الأمن وإعادة النظر في استعمال حق الفيتو ومسألة العقوبات التي تفرض على بعض الدول لهذا السبب أو ذاك، من يستطيع الجزم بأن تلك الدعوات ستجد لها صدى فعليا لدى مجلس الأمن الدولي، وأساسا لدى الدول ذات العضوية الدائمة فيه؟ قد يكون هناك من قد يحاول، لكن من باب المكابرة، وليس من باب ما يسمح به الواقع.