تشهد الحياة السياسية في المغرب، جدلا يستحق الوقوف عنده، ظاهره مؤسساتي، وباطنه انتخابي، يهم المؤسسة الملكية، في علاقتها بالأطراف الأخرى، داخليا وخارجيا.
ويمكن القول إن أكبر إخفاق للحكومة التي يتزعمها حزب العدالة والتنمية، تمثل في عجزها عن تفعيل الدستور، على كل المستويات، من أهمها إقامة التوازن بين السلط، خاصة وأن رئيس الحكومة، وزعيم الحزب المذكور، عبد الإله بنكيران، يردد في كل مرة، تمت مساءلته عن هذا الموضوع، بأنه لا يريد أن يتخاصم مع الملك.
بينما نعرف أن دستور 2011، تمت المصادقة عليه، بعد أن حدد ملامحه الكبرى، الخطاب الملكي، لتاسع مارس 2011، والذي أعلن عن الفصل بين السلط، وتوازنها، وعن منح رئاسة الحكومة صلاحيات واسعة.
غير أن الممارسة الفعلية، لرئاسة الحكومة، التي تولاها عبد الإله بنكيران، سارت في اتجاه آخر، حيث ادعت أن كل مطالبة بتفعيل الدستور، هي محاولة لخلق خصومة مع الملك، هدفه من وراء ذلك، التقرب منه والاستقواء به ضد الخصوم السياسيين، خارج الإطار الدستوري، المرسوم والمتفق عليه.
لذلك، يبالغ بنكيران، في تقديم فروض الولاء والطاعة، واستعمال خطاب «مخزني»، لاعلاقة له بالدستور، من أجل إظهار «حسن النية»، حيث يتراوح هذا الخطاب، بين التعبير عن مشاعر الخنوع، وبين الادعاء بأن حزبه يحمي الملكية. ورغم التناقض الظاهر في الخطاب، فإن الهدف واحد، هو محاولة احتواء هذه المؤسسة، التي تتعالى، حسب الدستور، فوق كل الأحزاب السياسية.
غير أن خطاب التزلف، سرعان ما ينكشف، عندما يتعلق الأمر بالمصالح السياسية، لهذا الحزب، حيث يتم التكشير عن الأنياب، وتختفي اللغة المخزنية، بشكل يثير الاستغراب، في ملفات تهم العلاقات الخارجية للمغرب، والتي من المفترض أن يسود فيها واجب التحفظ، كما هو معمول به في كل البلدان التي تحترم مقومات الدولة.
ما حصل من تهجم على دول مجلس التعاون الخليجي، بعد الخطاب الملكي في القمة المغربية الخليجية، لا يوازيه سوى التهجم على اتفاقيات وقعت مع شركات صينية، أثناء الزيارة الملكية، للصين، بما يترتب عن كل هذا من إساءة بالغة للعلاقات الخارجية للمغرب.
لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن يتم تبرير الإساءة للعلاقات الخارجية للمغرب، بحجة أن الأمر يتعلق بصراع مع حزب سياسي، فلهذا الصراع فضاءاته. ولكن ما يمكن تسجيله هو أن خطاب التزلف، غاب، عندما تعلق الأمر بمصالح حزبية، مما يؤكد أن الأمر يتعلق بمحاولة احتواء، وليس ب»التوقيروالاحترام»، كما يدعون.