من المؤكد أن قضية الصحراء المغربية، ملف معقد، تتداخل فيه المعطيات التاريخية والسياسية والدبلوماسية والسوسيولوجية والجيوستراتيجية، خاصة بعد أن طال النزاع حوله، مما أضاف إلى هذا التعقيد، بعدا آخر، يتعلق بالقانون الدولي، والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن، ناهيك عن الإشكالات الكبيرة والعميقة، التي رافقت عملية إحصاء الذين يحق لهم المشاركة، في الاستفتاء، التي أشرفت عليها الأمم المتحدة، في تسعينيات القرن الماضي.
كتبت أطروحات ودراسات وكتبا عديدة، حول هذا الملف، وفي كل مرة، تتجدد الإشكالات والمقاربات، لأننا أمام قضية، تهم جوانب متعددة، من بينها، تاريخ المنطقة وعلاقاتها بالسلطة المركزية، ومساهمتها الكبيرة، في البناء التاريخي للأمة المغربية، بما يحمل هذا الجانب من أحداث كبرى، وتوازنات محلية وقبلية و إقليمية ودولية، وهي المسألة التي عرضت وثائقها، وحصلت فيها مرافعات هامة وغنية جدا، أمام المحكمة الدولية في لاهاي.
و من بين أكبر القضايا التي طرحت أيضا في هذا الملف، وكانت بمثابة فرصة علمية، لدراسة الخريطة القبلية لسكان الصحراء، ما تم خلال الإحصاء الذي أنجزته بعثة الأمم المتحدة، حول المشاركين المحتملين في الاستفتاء، حيث حصل جدل كبير حول طبيعة الروابط التي تحدد من هو «الصحراوي»، هل هي روابط الأرض أم الدم، ثم ما هي فعلا القبائل الصحراوية؟ وهل يعكس الإحصاء الذي أنجزته إسبانيا في عهد فرانكو، حقيقة السكان؟
كذلك، فإن الجدل الدائر حول تمثيلية «سكان» أو «شعب» الصحراء، مسألة في غاية الأهمية، لأنها تطرح إشكالات سوسيولوجية وسياسية حول تحديد مفهوم الشعب، بما يترتب عنها من نزاع حول من يمثل «الصحراويين»، هل جبهة البوليزاريو هي «الممثل الشرعي والوحيد»، أم أن هناك صحراويين آخرين، لا يعترفون بها، ولديهم موقف آخر، لأنهم مندمجون في نسيج الشعب المغربي، مع الاحتفاظ بخصوصياتهم، التي يعترف بها الدستور، ويعكسها مقترح الحكم الذاتي.
أما النقاش الدائر مع الأمم المتحدة، خاصة في اللجنة الرابعة أو في مجلس الأمن، فإنه يستحق أيضا بالغ الاهتمام، نظرا لما يطرحه من قضايا، متعددة، الكشف عن خلفياتها و أبعادها، وحقيقة الموقف الجزائري ودفوعات انفصاليي البوليزاريو، ومواقف الدول العظمى، ينير كثيرا الطريق لمن يريد أن يفهم بعمق هذا الملف، الذي حولته كل هذا التعقيدات، إلى موضوع صعب الفهم، لا يدركه إلا المختصون.
لذلك وجب الآن، و في إطار التعبئة الوطنية، لمواجهة الأخطار المحدقة بملف الوحدة الترابية، أن تلعب مختلف الهيئات دورها في إعادة فتح النقاش حوله، بعمق وبمقاربات علمية، غير أن المسؤولية الكبرى، تقع على وسائل الإعلام، وخاصة العمومية منها.