رغم أن أغلب القوى في المجتمع المغربي، ترفض استغلال الدين، وخاصة المساجد ودور العبادة، في السياسة والعمل الحزبي، باستثناء البعض منها، إلا أن هذا الموقف، لا تتم بلورته في الواقع، حيث يظل هذا الرفض نظريا، وتبقى الأبواب مشرعة أمام الذين يوظفون المعتقد الديني، كملحق لعملهم الحزبي.
ورغم أن الفصل السابع من الدستور المغربي، ينص على أنه لايجوز أن تؤسس الأحزاب على أساس ديني، إلا أننا نجد رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران يقول في اجتماع حزبي في سلا، بأن «حزبه خرج من المساجد وبأنه يشتغل الآن، بما جاء به من المساجد»، وفي ذلك اعتراف صريح بأن هذا الحزب مؤسس على أساس ديني، وأنه يشتغل في المساجد، سياسيا وحزبيا، في خرق واضح للدستور.
ويبدو أن هذا الموضوع، رغم حساسيته البالغة لم ينل الأهمية الذي يستحق، كما نالها، في تونس، حيث إن الدستور التونسي لسنة 2014، ينص بشكل أكثر وضوحا في فصله السادس، على أن «الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي».
ويمكن القول، إن هذه الصيغة واضحة وجريئة، وتتيح إمكانية ترجمتها في قوانين وإجراءات، بالإضافة إلى حمولتها المعنوية القوية. ويدخل هذا النص في إطار المكاسب التي حققها الشعب التونسي، الذي تتميز نخبته ومثقفوه بجرأة كبيرة في مواجهة التطرف الديني، كما تعتبر إنتاجاتهم الأكاديمية، اليوم، رائدة في مجال مراجعة التراث، على أسس ومناهج علمية.
لا يمكن تصورأي بناء ديمقراطي، إذا كان الحزب المهيمن على الحكومة، يتبجح باستغلاله للمساجد، وللمعتقد الديني، كأساس لعمله السياسي، ناهيك عن استعمال أموال الإحسان والصدقات، في استدرار أصوات الناخبين، ضمن نفس النهج.
كلما استمر هذا الواقع، كلما أُجْهِضَت الديمقراطية، التي لا يمكن لأمرها أن يستقيم، بوجود مثل هذه التشوهات العميقة في الحياة السياسية، التي تفسد اللعبة من أصلها.
وتتحمل الأحزاب الأخرى، مسؤولية كبيرة، في التساهل مع هذه المعضلة، التي تعرقل النضج الديمقراطي، رغم أنها تعلم خطورتها، على المستقبل السياسي للبلاد، حيث تسمح لحزب سياسي بأن يجمع بين يديه السلطتين السياسية والدينية.