من مكر المصادفات أن إعلان رئيس الحكومة عن الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، تزامن مع نشر تفاصيل التقرير الدولي لمنظمة »ترانسبارانسي«، الذي وضع المغرب في ترتيب سيء من حيث استشراء الفساد.
ثلثا المغاربة يقولون إن الأداء الحكومي في محاربة الفساد كان سيئا ، وأن النتيجة، كانت هي أن الفساد زاد حجمه وداؤه (68%) ، كما أن ثلاثة أرباع يعتقدون بأن الرشوة زادت انتشارا في عصب الدولة، كالقضاء والأمن والصحة والسلطات العمومية..
في نفس الوقت، تظهر معطيات تخص التقرير الحديث العهد للمجلس الأعلى للحسابات،عن سنة 2014 والذي قدمه ادريس جطو أمام البرلمان يوم أمس الأربعاء 4 ماي، عن مهاو كثيرة واختلالات وتبذير وسوء تقدير ، أي كل أوجه الفساد الممكنة.
نحن إذن أمام بنية مستحكمة، لم تستطع الحكومة أن تغير منها ، بالرغم من كل الصلاحيات التي تملكها.
والواضح أن النقص يعود إلى أسباب عميقة، جزء منها يتعلق بالفهم الذي أعطته الحكومة لمحاربة الفساد:
(1) اعتبرت أن الأمر يتعلق بشعار سياسي، ربطت بينه وبين الاستبداد، لتسويق الحرب مع الخصوم الانتخابيين والايديولوجيين أكثر من محاربة الفساد ، بل اعتبرت الفساد منحصرا في رؤية أخلاقوية مبتسرة لا ترقى إلى خطة دولة.
(2)تغييب المقومات المؤسساتية في محاربة الفساد، وهو ما يعني أن الدعامات المطلوبة، لم تحقق الحكومة فيها خطوات حاسمة، بل سجلت السنوات الأخيرة تضييقا في ممارسة الصحافة الحرة فعليا لدورها وتعثر الصلاح في فرض نفسه في القضاء، بل تحولت مناسبته إلى رهان قوة بين الجهاز التنفيذي والمكونات المساهمة فيه.. إلى غير ذلك من مقومات الخطة البديلة، كالمؤسسة التشريعية والمتابعة والحق في تشكيل لجان تقصي الحقائق من طرف المعارضة ، وغير ذك من مناخ الأعمال ومناخ المراقبة الفعلية للمؤسسة الحكومية.
(3) هناك تأرجح بين التعايش مع الفساد (عفا الله عمّا سلف) وبين محاربته بالوعظ والإرشاد، بالرغم من محدودية خطاب من هذا القبيل، رغم ممكناته الروحية،أمام البنية القوية للفساد والتي تستوجب دينامية تجاوز المقاربات السطحية!
لقد تبين ونحن في اللحظات الأخيرة من الولاية الحكومية أن الشعور العام لدى المواطنين هو أن الفساد زاد انتشاره وربح أشواطا جديدة مع حكومة فبراير 2011!.